هنا غزة ولا صوت يعلو فوق صوت القصف..
أينما ولّى أبناء غزة وجوههم فثم وجه الموت يرتسم في كل شبر على كامل جغرافيا هذه الأرض المحروقة.
من الشمال تفر عائلة فلسطينية هرباً من ضربات طيران الاحتلال فيستقبلهم الموت في الجنوب جثث هامدة قصفت بغارات إسرائيلية في مناطق لطالما قال عنها بأنها مناطق آمنة، وإلى الشمال تحاول سيدة فلسطينية الهروب بأطفالها الصغار هم كل ما تبقى من عائلتها الكبيرة إلى حيث تمنحهم الحياة وقتا بدل ضائع فتتلقفهم الأقدار غربا في مخيم الشاطئ حيث لا يضيع كائناً متحركاً عن آلة القتل الاسرائيلية منذ بداية عدوانها.
ومن مجمع الشفاء الطبي يغادر كرهاً من تبقى من المرضى الغير قادرين على الحركة إلى حيث يطلب منهم قناصة جيش الاحتلال السير إليه على الأقدام - فيسبقونهم بألياتهم إلى المستشفى الاندنوسي حيث ينتظرونهم لإحكام سيطرتهم وحصارهم على المستشفى.
ومن موت إلى موت محقق ومن حصار إلى حصار مطبق يتنقل الفلسطيني بمأساته التى تجاوزت حد الجرائم الانسانية والإبادة - وليس الاحياء وحدهم فقط في قطاع غزة من يعيشون هذا الواقع المأساوي، بل حتى الأموات أصبح لهم نصيبهم المفروض من هذه المعاناة، حيث يقوم جيش الاحتلال بنبش قبور الضحايا الذين تم دفنهم في محيط المستشفيات بعد رفض قوات الاحتلال السماح لذويهم بدفنهم في المقابر ثم يقوم بأخذ وأقتياد هذه الجثث إلى أماكن مجهولة حتى الآن ولسان حال هؤلاء الموتى يسأل: ألا يكفيكم مطاردتنا واعتقالنا على قيد الحياة أم أن 75 عاماً من النزوح القسري والتهجير الجماعي من مكان إلى آخر ليست كافية بالنسبة لإسرائيل والمجتمع الدولي على حد سواء حتى يطلب من أهل غزه اليوم أن يكونوا ضحايا لإختلالات النظام العالمي الجديد وقرابين لمشروع الشرق الأوسط الجديد.
ومع بدء سريان هدنة الأربعة الأيام المعلن عنها في قطاع غزة بوساطة قطرية والتي من المقرر أن تبدأ من صباح اليوم الجمعة - يستفيق من تبقى من ابناء هذه المدينة على حجم الدمار الشامل والابادة الجماعية التي آل إليه الوضع في هذه الجغرافيا المحروقة من هذا العالم وأمام هول المجازر واطلال المآسي تكون الصدمة.
فهذا طفل صغير يقف على أطلال منزله المدمر بالكامل على رؤؤس جميع أفراد أسرته بحثا عن صورة تذكارية مع عائلته لعلها يمكن أن تواسيه في محنة أيامه القادمة - وذاك شيخ مسن يحاول إختراق ذلك السياج الأمني الشائك الذي فرضته دبابات الاحتلال حول مخيم جنين للعودة إلى منزله المدمر حاملاً معه عكازة الذي لم يعد يملك في هذه المدينة من شيء سواه.
وتلك سيدة جبالية تحاول أن تخفف من ملامح الحزن والألم الذي يرتسم على وجهها بإستحضار شيئا من جمال الصبر والسلوان الذي يعينها على الأمل بصمود هذه الهدنة القصيرة وقتا أطول من اللازم، وذلك رجل مصاب بساقيه يكابر بالوقوف أمام وسائل الإعلام بقدميه المعاقتين للحديث أكثر عن رغبته في الموت والاستشهاد في الوقت والمكان الذي تطلب منه غزة ذلك.
وبين هذا وذاك يبقى الحديث عن تلك المقابر الجماعية التي خذلها أخدودها في محيط المستشفيات لعدم القدرة على دفنها في المقابر أو تلك الاكوام البشرية من الجثث التي ما زالت مكدسة على قارعة الطرقات لإستحالة إستيعابهم في المقابر هما لسان حال الوضع البيئي والصحي الذي تعيشه مدينة غزة في اليوم الأول من الهدنة.
- من حائط الكاتب على فيسبوك صباح الجمعة