قد لا يكون توقيتُ إعلان الأمم المتحدة عن اتفاق "خارطة طريق" بين الأطراف اليمنية محض صدفة، وهذا الاحتمال الأرجح، في هذا التوقيت الملتهب بالذات، حيث بدأ مشروع المليشيا الحوثية المزعزع لأمن واستقرار المنطقة وتهديد السلم العالمي، يتكشف للعالم بملامحه الكاملة في أعقاب الهجمات الحوثية الإيرانية المنسقة ضد خطوط الملاحة وسفن الشحن في مضيق باب المندب.
ظلت مليشيا الحوثي تتمترس في موقف الضد من أي جهود سياسية من شأنها التهيئة لمناخ الحل السياسي المأمول، لكنها سرعان ما وافقت على "خارطة طريق" تبدو إلى الآن بلا معالم، للفكاك من الضغوط التي تواجهها، لا سيما بعد تشكيل تحالف دولي في البحر الأحمر للتصدي لأنشطتها العدائية المدفوعة إيرانيًا، والحديث عن خطة دولية لتوجيه ضربة إلى معقلها بصعدة، أُرجئت لإفساح المجال أمام جهود الوساطة السياسية على ما أفادت صحيفة "النيوز ويك".
تعوّد الحوثيون على الهروب من الضغوط التي تواجههم نحو موائد التفاوض، وهذه سمة المليشيا المستنسخة بأكثر من أسلوب وفي عدة اتفاقات أمضت عليها ثم سرعان ما نكثت بها وعادت إلى المربع الأول، والغرابة في الأمر أن الأمم المتحدة تجدها فرصة- رغم الإدراك المسبق لعدم جدواها- لإظهار حضورها الباهت من خلال صياغة مسودات اتفاقات تُطوى، في النهاية، في رفها الغني بملفات فشل معالجة الأزمات.
بالتمعّن في البيان الأممي، ليس ثمة إعلان صريح لخارطة طريق؛ بل تهيئة لها واتفاق على التزامات إنسانية لا ترتيبات سياسية، ولم يأتِ الإعلان بجديد يُذكر، بل يبدو استنساخًا لمسودة اتفاق الهدنة الموسع الذي أعلنت الأمم المتحدة فشل تحقيقه في الثاني من أكتوبر 2022، بسبب تعنت المليشيا الحوثية حينها.
لا مؤشرات حتى الآن على وجود نية حوثية لتطبيق هذه الالتزامات؛ فالمليشيا الحوثية التي تؤجل الترحيب العلني- على ما يبدو- حيال ما أعلن عنه المبعوث الأممي إلى حين انفراج الضغوط التي تواجهها من قِبل "حارس الازدهار"، لترفع سقف مطالبها من جديد بما يفضي إلى انهيار هذه الخطوة في نفس المنحدر الذي هوت فيه الخطوات والإجراءات السابقة التي اتخذتها الأمم المتحدة.
مشكلة الشعب اليمني مع هذه المليشيا معقدة ومزدوجة؛ فهي أداة بيد إيران وغرفة العمليات التي تسيرها في طهران، وهذه الأخيرة لا يهمها حال ووضع الشعب اليمني، وقد أدرك العالم أجمع حقيقة التبعية الحوثية لملالي طهران.
الأمر الآخر، الذي لا يقل أهمية عن سابقه، أن هذه المليشيا تزعم أن الحكم حق إلهي منحها الله إياه دون غيرها، وهو ما يجعل التعايش السلمي والانخراط معها في تسوية سياسية ضربًا من خيال.