قبل أربعة أعوام إجتاح كوكب الارض فيروس ضئيل لا يرى بالعين المجردة- ولشدة ضآلته- وقف النظام العالمي الحالي "وما يزال" عاجزا عن تفسير هذه الطفرة الجينية في إحداثيات فلسفته للدمار الشامل رغم ترسانة الاجهزة الطبية والتكنولوجية الدقيقة التي كان يمتلكها.
إكتفى حينها العلم الحديث بإغلاق ملف هذه الجائحة بصورة مفاجئة دون الإعتراف بفشل مواجهته أو الإقرار بحقيقة وجوده.
اليوم ؛ ونحن إذ نقاوم فيروسات الكراهية والجهل والعنف الاكثر فتكا بعالمنا- ما أحوجنا إلى تذكر مناقب هذا الفيروس "الفقيد" في حياتنا،، على أمل أن لا تصبح "نزلات البرد" فسحة تاريخية للتلاعب بحاضرنا ومستقبلنا بدعوى حمايتنا من أعراض "الزكام".
كورونا طبيب الحضارة
حين أعلن عن إكتشاف أول بؤرة إنتشار لهذا الفيروس في إحدى المطاعم البحرية الصينية تحت مسمى " كوفيد 19 - كان هذا العالم قد ظهرت علية منذ وقت مبكر بعض الأعراض الوبائية التي تتشابه في جوهرها مع أعراض هذا الفيروس والتي بسببها جرى فرز هذا العالم إلى معسكرين متقدمين وأخر "متخلف" لدول العالم الثالث يقبع في دكة الاحتياط.
وما بين سعال التسلح العسكري اوالنووي وبين صداع محاولات غزو الفضاء الخارجي وصولا إلى حمى التناسخ والاستنساخ في تغيير بنية الجينوم البشري - أخذت هذه الحضارة تفقد الكثير من مناعتها في مقاومة فيروسات الحروب المسلحة والصراعات المستعرة في أكثر من جبهة بعد أن تكشفت حقيقة عمليات تجميل هذا الحضارة "الكرتونية" على يد هذا الطبيب الماهر الذي حرص منذ البداية على أن يكون للدول المتقدمة نصيب الأسد من أعراضه وإصاباته ووفياته.
كورونا صاحب الجلالة
وأمام شاشات التلفويون شاهدنا ولأول مرة رجالات الدولة والسياسة في العالم المتحضر يرتعدون خوفا وطمعا من هذا الديكتاتور القادم- لا سيما وقد كمموا أفواههم طواعية نزولا عند رغبة هذا الفيروس كما لو أنه قد طلب منهم التوقف عن أكاذيبهم ومغالطاتهم التي لا تنتهي عند حديثهم المتكرر عن ديمقراطية شعوبهم الفضفاضة وحقوق الانسان الضائعة.
ليس هذا فحسب بل لقد إستطاع هذا الفيروس من الانقلاب على كثير من بروتوكولات السلاطين والانظمة الحاكمة حين أعلن حالة الطوارئ في ربوع المعمورة مصحوبة بعدد من الاجراءات والتدابير العادلة لضمان نجاح المرحلة الإنتقالية لفترة ولايته، وصولا الى سريان مفعول حظر التجوال في الأماكن العامة والخاصة والتي أخضع بموجبها الكثير من رجالات السياسة للإقامة الجبرية في منازلهم تحت مسمى " الحجر الصحي".
كورونا ملك الرحمة
وخلف ترسانة التقدم الطبي المذهل الذي يتباهى به العصر - تربص الكثير من المرضى والمصابين في معتقلات الحجر الصحي حتى أنقضاء فترة "العدة الوبائية" التي حددها الاطباء كشرط جزائي للتاكد من سلامة المشتبه إصابتهم بهذا الفيروس.
والواقع كان يشير حينها إلى تورط النظام الطبي العالمي في تدمير البنية المناعية والبيولوجية لسكان هذا الكوكب من خلال الأعراض الجانبية التي رافقت حزمة الادوية والعقاقير الطبية التي خلفتها محاولاتهم لعلاج كثير من الأمراض الفتاكة والتي اصبحت اليوم بمثابة أمراض شائعة ومألوفة وخصوصا تلك التي تطلبت جرعات كبيرة من المضادات الحيوية والمسكنات، لذلك ليس غريبا أن إتجه الإنسان في القرن الواحد والعشرين للاعشاب الطبيعية مثل الثوم والبصل للتعافي من هذا الفيروس.
كورونا تاجر السعادة
وما أن تشرب الخوف في مفاصل البورصات العالمية وأسواق الأسهم من هذا الفيروس للعابر للقارات والأزمات - حتى إرتفع رصيد الزهد من الدنيا بكلها إلى أعلى مستوياته بالنسبة للكثير من رؤؤس الاموال والاعمال والتجار الذين وجدوا بضائعهم ومنتجاتهم قد تحولت إلى مخزون نقدي عديم القيمة والفائدة. وهو الأمر الذي ترتب عليه إغلاق كثير من الاقتصاديات ابوابها أمام حركة التداول التجاري للسلع والمنتجات مع بدء سريان قرارات إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية. وفي مثل هكذا جائحة طارئة دفع الإغلاق المستمر للأسواق العالمية بالكثير من المتاجر والمهن والاسواق إلى حافة الإفلاس في مقابل ظهور أنواع جديدة متحورةمن السلع والوظائف والخدمات المستحدثة في نظام كورونا الجديد.
كورونا حارس الفضيلة
وعلى أبواب المساجد والكنائس والمعابد والصوامع تحول الكثير من العصاة والمذنبين إلى دعاة للفضيلة والتوبة والاستغفار من حالة الكفر والفسوق التي تعيشها مجتمعاتهم على إعتبار أن ظهور هذا الفيروس ما هو إلا عقاب إلهي من السماء لتكفير خطايا البشرية رغم محاولات السلطات القائمة حينها تضييق مساحة التعبد في دور العبادة.
لكن الأهم في ذلك أن هذا الفيروس كان سببا مباشرا في تقليص اعداد الجرائم والمخالفات بإختلاف انواعها فلم نسمع مثلا عن تقديم بلاغ بواقعة سرقة أو جريمة قتل أو نهب او إغتصاب طيلة أيام ذلك الفيروس - بل - لقد أغلقت المحاكم والنيابات وأقسام الشرطة أبوابها حالها حال المنازل لعدم وجود شكاوي أو مرافعات او لتنازل الكثير المتخاصمين عن قضاياهم.
كورونا كبير العائلة
وتحت سقف واحد إستطاع هذا الفيروس "الصغير" أن يجمع الكثير من الأسر والعائلات على مائدة الطعام بعد رحلة شتات مجتمعي وضياع أخلاقي أحدثتها ممارسات الليبرالية الغربية القائمة على الحرية الفردية في تقرير أحوال الشعوب الشخصية ما بين رغبة الفرد في العيش تحت وصاية والديه أو الانفصال بحياته الخاصة.
ولقد كان لهذا الفيروس الفضل بعد الله في لم شمل كثير من الأسر والعائلات بعد قطيعة رحم مطولة يجهل الكثير من "طائعي والديهم الجدد" تاريخ ميلاد هذا الانقطاع - في حين عرف الكثير من الشباب لا سيما في اوروبا طريقهم إلى منازل والديهم بعد سنوات من التحرر والقطيعة والضياع ما أن وجدوا أنفسهم بحاجة إلى مسكن يملؤه الحب والحنان والرعاية.
ولن نطيل أكثر عن تلك الخلافات العائلية المزمنة والمناوشات الاسرية المتكررة التي تلاشت على يد "كورنا كبير العائلة" وهو إذ يفرض عليهم إجراءات جديدة للتواصل أو التباعد الاجتماعي بحسب الضرف الذي يستدعيه.
- من حائط الكاتب على فيسبوك