يوم أمس كنت أتبادل أطراف حديث روتيني مع شاب يعمل في احدى المطاعم وهو يطلب مني كعادته كلما رأيته مشورته بخصوص رغبته الملحة في الزواج في ظل هذه الاوضاع الصعبة التي لا يستطع من سبقوه إلى هذا القفص ولا أريد تعكير مزاج تفكيره المشروع بما يسد نفس العزاب من هذا العذاب الذي نعيشه على اطلال الحب العذري إذا ما علم أن الكثير مننا نحن معشر المتزوجين شابعين راويين.
وأمام شواية الدجاج التي يعمل عاملا عليها - حاولت أن أصرف هذا الرازم اليومي الذي إصطفاني من بين مجموعة الخلائق ولا ادري ما السبب بقولي له : تزوج يا رجال وربك با يغنيكم من فضله - لكن أحد الفضوليين الذي كان يقف يانتظار دجاجته المشويه قاطعني بقوله : لا تصدق يا صاحبنا... الخبير يشتي ينكبك بالزواجه وعاد مش قادر تقوم بيت مستدلا بقول الرسول: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن له وجاء.."
قلت له: لكنك لم تعرف المقصود بالباءة والإستطاعة حتى تعرف مقاصد الزواج - لكنه لم يأبه لقولي مسترسلا بكون الباءة المقصودة بهذا الحديث الشريف هي القدرة على الانفاق وتحمل المسؤولية المالية تجاة الزواج - ضاربا بمحاولات تهدئته عرض شواية الدجاج التي نقف سويا على بابها - وكنت أرغب لو أنه يعرف الفرق بين الاستطاعة والقدرة والحاجة والزواج والنكاح.
رق قلبي لنظرات ذلك الشاب الذي كنت أتفهم دوافع إصراره على الزواج بكونه يرغب في تحصين نفسه وعدم الوقوع في الخطأ الذي وقع فيه البعض ممن لا يستطيعون إلى الزواج سبيلا، وكل ذلك خوفا من عدم القدرة على تحمل الانفاق على هذه الاسرة الجديدة بالنظر إلى الأوضاع السيئة التي يعيش جيل من العزاب نحاول إعادة قراءة هذا الحديث الصحيح فقط بما يسمح إتخاذ قرارهم بالزواج في إكتمال وإلحاح رغبتهم الجسدية والجنسية من خلال تفكيك بنيته اللغويه والسياقيه.
ولطالما قد بدأ الحديث بأسلوب النداء فهذا يعني أن الرسول كان ينادي في حديثه بمكان يجتمع به عشره فأكثر (معشر) من الشباب الذين هم من عداد الشريحة العمرية التي تدل على اكتمال النضج الجنسي والجسدي، وفي قوله في هذه الجملة الشرطية "من استطاع منكم الباءة " نفهم انه لم يستخدم صيغة الفعل المضارع "يستطيع" للدلالة على أن هذه الاستطاعة قد حدثت، وأن هذه الاستطاعة من الفاظ الترادف التي تعني القدرة والرغبة في أن واحد - فهي تعني الرغبة اذا جاءت بصيغة الماضي وتعني القدرة إذا وردت بصيغة المضارع.
وإذا ما عرفنا أن كل ما كان على وزن استفعل يعني طلب أن يفعل وأن فعل الشرط في هذا الحديث قد ورد بصيغة الماضي "إستطاع" والذي يعني الرغبة وبإلحاح على القيام بالشي مما يعني أن الاستطاعة هنا في هذا المقام هي الطلب على وقوع الباءة والتي لا تعني القدرة على الانفاق وإنما الرغبة في المعاشرة الجسدية والجنسية فيصبح المعني العام لقول الرسول "استطاع منكم الباءة " - يعني الحت عليه الرغبة الجنسية المطلوب من الشاب الاستجابة لها واشباعها - ومع آقتران جواب الشرط بالفاء السببية متبوعة بلام الأمر بالزواج "فليتزوج" يكون الحديث عن الرغبة الجنسية والحاحها على الشباب هي موضوع هذا الحديث.
وفي جملة الشرط الثانية "ومن لم يستطع" نلاحظ أنها قد وردت بصيغة المضارع والتي تعني عدم القدرة - لكن هذه القدرة ليست على الباءة كم فعل البعض من هذا الحديث وإنما عدم القدرة على الزواج - لذلك كان الصوم هو جواب الشرط الحاسم الذي سيكبح جماع شهوات الشباب الذين تلح عليهم الرغبة الجنسية بالطلب لكنهم لا يستطيعون.
من هذا الحديث نفهم أن الباءة وهي الرغبات الملحة على قضاء الحاجة الجنسية متى ما الحت على ذلك الشاب المكتمل نضوجه الجسدي والجنسي - كانت وفق تصور الاسلام مقدمة على الخوف من تحمل اعباء الزواج والاسرة لطالما وأن هذا الشاب أو ذاك يخاف من الوقوع في المعصية مع إلحاح رغبته الجنسية عليه وإنسياقه وقدرته على إشباعها.
لقد استغربت وما زالت في حالة استغراب دائم في ما اذا كان معنى "الايجاب والقبول" الذي يحسبه الفقة السلامي ركن الزواج الأول هو قول المرأة للرجل انكحتك نفسي وقول الرحل قبلت -وبذلك اكتمل مفهوم الزواج - والحقيقة أن الإيجاب المطلوب من الرجل هو اكتمال نضجه الجسدي والجنسي وقدرته على انجاب ذاته بمعنى "البلوغ" وليس شور أو قول - وأن معنى القبول المفترض ان يقع من المراة هي رغبتها وموافقتها لأن تكون وعاء لماء الرجل دون غيره.