بغض النظر عن طرائق المحدثين في تخريج وتصحيح سند حديث غدير خم، فإني أجد هذا الحديث من أكذب الأحاديث متنا لمخالفته الصريحة لمنهج النبوة وغايتها من الأوجه التالية:
١- النبي "ص" بعث للعالمين رحمة وهداية ونورا ولم يبعث لأسرته وعشيرته، وادعائهم أنه قال (من كنت مولاه فعلي مولاه) ادعاء ينسف أخلاق النبي "ص" ويقدمه للناس كزعيم عشيرة، يتعصب لأبناء عمومته على منهج القبائل(أنا وابن عمي على المخرجي).
٢- على افتراض أن القصة التي حدثت بين خالد وعلي صحيحة، فإن ادعائهم أن النبي "ص" قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) يعني إنتصار لإبن عمه ضد خالد بن الوليد وهذه عصبية جاهلية منافية لروح الرسالة والنبوة.
٣- ادعائهم أن النبي "ص" قال هذه المقولة في علي، ولم يقل شيء في خالد أو المختلفين مع علي جرح في عدالة النبي "ص"، لأن القاضي إذا احتكم إليه خصمان يتوجب عليه النظر في كلتا الدعاوى ثم الحكم بموجبها وبيان الخطأ والصواب.
٤- عدم ذكر خصماء علي في الحديث دليل على كذب الحديث وتزويره، لأن القصة في الحديث نفسه في بدايته تتحدث عن خلاف بين علي وخالد ومن معه، فلما تجاهلت النتيجة خالد ومن معه عرف أن الرواية الأخيرة حبكة مكذوبة على النبي "ص" صيغت في وقت لاحق لغرض سياسي.
٥- ادعاء البعض أن الرواية قصدت تبرير ما قام به علي من أخذ جزء من السبي والغنائم قبل تخميسه، فيه إتهام صريح للنبي "ص" بمجاملة إبن عمه، والقصة فيها حبكة تبريرية هدفها سياسي واضح، ولكن الراوي أراد بحبكته نسبة الفعل للنبي "ص" لأنه يعرف أن السامع سيتوقف عن مناقشة وجه الخطأ الكامن في الأخذ من الغنائم قبل قسمتها..... (وحديث من غل شملة....).
٦- الرواية نفسها تظهر كذبها وأنها ليست من قول النبي "ص" فقولهم أنه "ص" قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه وعادي من عاداه) يشير إلى طلب استنساخ الولاء والمكانة والمنزلة، وهذه حبكة واضحة هدفها إنزال علي منزلة النبي بالأمر النبوي، هروباً من الإختيار الإرادي والمحبة الاختيارية.
٧- تظهر أخر الرواية كذب أولها فادعائهم أنه "ص" قال:(اللهم والي من والاه وعادي من عاداه) وقول البعض أن ذلك يعني المحبة، هذا فيه نقض تام للطبيعة البشرية في مسألة المحبة والصداقة المبنية على العلاقات والمصالح المشتركة، ولا يمكن لنبي مرسل بمنهج إلهي، أن يطلب من ربه تعالى أن يكره ويحب، ويرضى ويغضب، ويوالي ويعادي، بناءً على رضى وغضب شخص بشري، صاحب هوى وقصور ونقص، فالمحبة والإرادة الإلهية ليست مرتبطة بحالات البشر وأفعالهم إلا من قبيل الثواب والعقاب.
٨- هذه الرواية المكذوبة تجعل من علي ومحبته أو بغضه شرط لازم للتوصل إلى الله تعالى، فالنبي "ص" بادعائهم يطلب من ربه أن يوقف رضاه وغضبه وموالاته وعداوته تبعاً لعلي بن أبي طالب، أي أن عليا هنا صار شريكاً لله تعالى أو على الأقل وسيطاً بين الله وبين العباد، ينتظر ربنا تعالى وتنزه أن يرضى علي بن أبي طالب عن المسلم لكي يرضى عنه الله، وهذا محض شرك بالله تعالى، وهو دليل كاف على كذب الرواية وافترائها من الشيعة وتسربها إلى كتب السنة.
٩- يبرر السنة والصوفية ممن انطلت عليهم الرواية بأن المقصود بالموالاة هو المحبة والنصرة، وهي في الحقيقة تهمة أخرى يضيفونها للنبي الكريم "ص"، لأنه "ص" لا يمكن أن يكون مشرعاً للتميز بين الصحابة، وخاصة إذا كان التمييز مبني على نسب وعشيرة، فهذا يتناقض مع منهج النبوة الذي أخى بين المهاجرين والأنصار، وقال: (الناس سواسية كأسنان المشط كلكم لأدم وأدم من تراب....)، فكيف يمكن لنبي أن يكون داعية للتمييز العرقي والأسري والعشائري، وهذا ما يدل على كذب الرواية وانتحالها.
١٠- ادعاء الشيعة والزيدية الجارودية والاسماعيلية بأن الرواية تثبت الولاية السياسية، يدل تماماً على أن الرواية من صنع التشيع، خاصة إذا ما علم أن ظهور هذه الروايات تزامن مع بداية ظهور مدرسة التشيع بعد محمد الباقر وافتراقها إلى عدة فرق كلها تجمع على دعوى الولاية وتستند على هذه الرواية، أي أن الرواية كانت مؤسسة للتشيع، والخلاف بين فرقهم صار خلاف استحقاق.
١١- تتعارض هذه الرواية بشكل قطعي مع التصور الإسلامي لشبكة العلاقات الإجتماعية، حيث يؤسس الإسلام لشبكة علاقات مبنية على القيم الإنسانية والأخلاقية كما في قوله تعالى: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) حيث تجاوز النص طبيعة العلاقات الأسرية والقبلية إلى العلاقات المبنية على القيم العليا للمجتمع (أكرمكم عند الله أتقاكم)، وإذا ما سلمنا برواية غدير خم فهذه الأية تعتبر معطلة، أو مطبقة عكسيا لتصبح (أكرمكم عند الله أقربكم نسبا) أستغفر الله، وهذا مناقض لمبدأ النبوة والرسالة.
١٢- قد يدعي البعض أن عليا تقي، وأن الرواية في الحديث تنطبق عليه لأنه تقي، وهذا ادعاء باطل، لأن الآية حكم عام وقانون إلهي، وليس هناك أي دليل لتخصيص الحكم العام على شخص.
١٣- ثمة روايات حديثية أخرى في البخاري تدحض رواية غدير خم وتبين كذبها ومنها: "إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي هَؤُلاءِ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْكُمُ الْمُتَّقُونَ مَنْ كَانُوا وحَيْثُ كَانُوا. اللَّهُمَّ إِنِّي لا أُحِلُّ لَهُمْ فَسَادَ مَا أَصْلَحْتُ وايم والله لَتُكْفَأَنَّ أُمَّتِي عَنْ دِينِهَا كَمَا تكفأن الإناء في البطحاء" حديث صحيح.
١٤- تكتل الشيعة خلف هذه الرواية عبر التاريخ، واعتبارها المنبع الأساس لدعوى الولاية والإمامة والبطنين والحق الإلهي، تدل بشكل قاطع أن الرواية كانت مقولة تأسيسية لنظرية أيديولوجية، وليست من كلام النبوة، بل دبجها منظر سياسي أراد من خلالها صناعة أيديولوجيا خاصة بسلالة معينة للوصول إلى السلطة.
١٥- رواية الغدير هذه تتقابل مع رواية الأئمة من قريش، والناس تبعا لقريش، التي ابتكرها الأمويون كمسوغ لسلطتهم، ولأن بنو أبي طالب كانوا أقلية غير قادرين على بلوغ السلطة بالغلبة كبني أمية، فقد لجأوا لاختراع رواية أكثر حصرا للسلطة في سلالتهم، ليكونوا منها مادة أيديولوجية لتنظيم سياسي معارض للأمويين، وهو ما تؤكده كل الروايات التاريخية.
حيث انتهج الطالبيون بعد فشل ثوراتهم ضد الأمويين، انتهجوا التنظيمات السرية، وكان لا بد من مسوغ لأدلجة تلك التنظيمات فاختلقوا هذه الرواية المؤسسة للفكرة، ثم أضافوا لها كل الروايات الأخرى لاستكمال نظرية التشيع.
وبالمجمل كل الروايات التي تتحدث عن ولاية أو إمامة علي وأبناءه وبني هاشم والعلويين والبطنين وخرافة العترة والآل ووو..، كلها صناعات شيعية ظهرت بعد محمد الباقر، وأسست لفرق التشيع، وقيل أنه أول من قال بها، والأرجح عندي أن عدداً من العناصر الفارسية ساهمت بخبراتها في الصنعة الأيديولوجية للتشيع، ليصبح التشيع حزبا معارضا لسلطة العرب ودولتهم ودينهم وثقافتهم.