كشفت نتائج الحرب في اليمن أن تغيراً كبيراً شهدته هذه البلاد على المستوى الاجتماعي والسياسي والعسكري والاقتصادي، وظهرت العديد من التشوهات التي برزت بشكل كبير كدلالة على عمق إفرازات الآلة الحربية وقذائف الموت التي شنتها الجماعة الحوثية وسيطرتها على العاصمة صنعاء مدفوعة بالتوجهات الاستراتيجية التوسعية لإيران في المنطقة وإحكام السيطرة على منطقة الخليج العربي من باب المندب وحتى مضيق هرمز.
المتابع للوضع اليمني، سوف يشهد أن المجتمع الذي كان يتم تعريفه بهوية واحدة أمام الآخرين أصبح اليوم يُعرف بالهويات الصغرى، والانتماءات الأولية للفرد، وهو واقع عززته الطائفية والمناطقية الحوثية التي ساقتها معها ونشرتها في سبيل التعريف بنفسها كجماعة لها الأفضلية في كل شؤون الحياة، مما دفع بقية أبناء المجتمع للعودة والتمسك بالهويات الأولية خوفاً من الانسحاق تحت تأثير الهوية الحوثية، المغلفة بالدين والمذهب، أصبحت التكتلات الاجتماعية لا تخفي نفسها حتى وسط صنعاء، فأبناء المناطق الجنوبية الذين يقيمون في صنعاء أصبح لهم تكتل واضح يميزهم عن بقية الآخرين ويعرفون بأنفسهم سياسياً من خلال هذا التكتل.
الاعتداد بالانتماءات الأولية ظهرت بشكل عفوي كنتيجة لسياسة الاستيلاء والسيطرة التي تنفذها الجماعة الحوثية، حتى وإن توقفت الحرب، فلن يتخلى المجتمع عن هذا الانتماء، لأنه أصبح به أكثر قوة للدفاع عن نفسه ومنطقته، فمثلاً لن يقبل أبناء تعز أو عدن أو الضالع أن يأتي شخص من صعدة أو عمران أو ذمار يحكمهم ويتولى شؤون أمورهم، ولو على مستوى محافظ، وهذا نتاج طبيعي بعد أن سقطت الدولة التي كانت تحمل هوية وطنية واحدة.
قد تشهد بعض المناطق الخروج بمطالب تشبه المطالب الجنوبية المتعلقة بالانفصال، وهذا الأمر غير مستبعد ووارد جداً، وخاصة في المحافظات الشمالية مثل مأرب وتعز، لم يعد هناك هوية واحدة تجمع كل الناس تحت لوائها، ولم يعد هناك روابط سياسية قوية يمكن أن تجمع صنعاء ببقية المحافظات، وهو أمر في غاية الخطورة على فكرة كيان الدولة التي لا تزال أحد العوامل المشتركة بين بعض الأطراف اليمنية المناوئة للجماعة الحوثية وكهدف أساس لاستعادتها لدى قوات المقاومة الوطنية في الساحل الغربي.
من الجيد أن هناك أهدافاً ثابتة ورؤية واضحة لدى بعض القيادات اليمنية ترتكز على بناء هوية وطنية مشتركة، وكذلك أمل استعادة صنعاء، باعتبارها المركز المقدس الذي يمكن أن يُعيد ظهور هوية مشتركة مع بقية المحافظات بعد إزاحة جماعة الحوثي، ويعتبر العميد طارق صالح أحد أبرز القيادات التي تتبنى مثل هذه الرؤى ويعمل بل ويعد الآخرين إلى العمل تحت إطارها على مختلف المستويات.