قراءة | لماذا لم تُحسم المعركة مع الحوثيين؟

الرئيسية | مقالات | 15 فبراير 2025

د. نادين الماوري

منذ انقلاب الحوثيين على الدولة اليمنية في سبتمبر 2014، واليمن يعيش في دوامة صراع مستمر، دون حسم عسكري أو حل سياسي فعّال. ورغم إصدار مجلس الأمن القرار 2216، وتعاقب أربعة مبعوثين أمميين، ووجود مبعوث أمريكي خاص، لم تتمكن الشرعية اليمنية والتحالف العربي من إنهاء التمرد الحوثي. في المقابل، استمر الحوثيون في التصعيد، مستفيدين من الدعم الإيراني، الفساد المالي، وعسكرة البحر الأحمر، بينما ظلت جرائمهم في مناطق سيطرتهم تلقى صمتًا دوليًا مريبًا.

1. القرار الأممي 2216: غياب آليات التنفيذ

صدر القرار 2216 في 2015، مطالبًا بانسحاب الحوثيين من المدن، وتسليم الأسلحة، وعودة الحكومة الشرعية، لكن التطبيق ظل غائبًا.

    •    الأمم المتحدة لم تفرض أي آلية لتنفيذ القرار، مما جعله مجرد وثيقة مرجعية بلا تأثير حقيقي.

    •    المبعوثون الأمميون تبنوا سياسة الحياد السلبي، مما جعل الحوثيين يستمرون في التعنت والتوسع العسكري.

    •    الشرعية لم تستغل القرار كأداة ضغط دولي، بل انخرطت في مفاوضات عبثية أضاعت مزيدًا من الوقت.

2. عسكرة البحر الأحمر: التصعيد الحوثي في المياه الإقليمية

خلال السنوات الأخيرة، تحول البحر الأحمر إلى ساحة صراع عسكرية خطيرة بسبب الحوثيين، الذين كثّفوا هجماتهم على السفن التجارية وهددوا الأمن الملاحي الدولي.

    •    الهجمات على السفن التجارية واحتجاز ناقلات النفط، كما حدث مع سفينة “جالاكسي ليدر”.

    •    تهديد الممرات البحرية الدولية تنفيذاً لأجندة إيران، التي تستخدم الحوثيين كأداة ضغط في مفاوضاتها مع الغرب.

    •    التحالف الدولي بقيادة أمريكا رد بهجمات جوية على بعض المواقع، لكن الرد ظل محدودًا دون حسم المشكلة من جذورها.

3. الفساد المالي وتأثيره على إطالة أمد الحرب

من العوامل التي ساعدت الحوثيين في الاستمرار هو الفساد المالي المستشري في كل من معسكر الحوثي والشرعية على حد سواء.

   في مناطق الحوثيين:

    •    نهب المؤسسات المالية والبنك المركزي في  صنعاء، مما أدى إلى انهيار الاقتصاد في مناطق سيطرتهم.

    •    فرض الجبايات والإتاوات على المواطنين والشركات الخاصة، وتمويل الحرب من قوت الشعب.

    •    الاستيلاء على المنظمات الإغاثية الدولية وتحويلها إلى مصدر تمويل خاص.

   في معسكر الشرعية:

    •    الفساد المالي والإداري أدى إلى إضعاف الجبهات العسكرية وتأخير رواتب الجنود.

    •    سوء إدارة الموارد المالية للدولة، مما جعل الحكومة الشرعية تفقد ثقة الشارع اليمني.

    •    انتشار المحسوبية والولاءات داخل مؤسسات الدولة، مما أضعف الأداء العسكري والإداري.

4. اعتبار الحوثيين منظمة إرهابية: خطوة متأخرة لكنها ضرورية

في عام 2024، أعلنت الولايات المتحدة إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، بعد تصاعد هجماتهم في البحر الأحمر واستهدافهم للمدنيين.

    لماذا كان التصنيف ضروريًا؟

    •    لأن الحوثيين ارتكبوا انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، واستخدموا العنف كوسيلة رئيسية للحكم.

    •    لأنهم ارتبطوا بشكل وثيق بالحرس الثوري الإيراني، وتلقوا دعماً عسكريًا ولوجستيًا منه.

    •    لأنهم أصبحوا تهديدًا إقليميًا ودوليًا، وليس مجرد ميليشيا محلية.

    •    لكن لماذا لم يكن التصنيف كافيًا؟

    •    لأن الأمم المتحدة وبعض الدول الأوروبية رفضت التعامل مع الحوثيين كإرهابيين، واستمرت في اعتبارهم طرفًا سياسيًا.

    •    لأن الإدارة الأمريكية نفسها لا تزال مترددة في فرض عقوبات فعلية قد تُضعف الحوثيين اقتصاديًا.

    •    لأن بعض الدول الإقليمية تستخدم الحوثيين كورقة تفاوضية في صراعات أخرى، مما يمنحهم هامشًا للاستمرار.

5. الصمت الدولي على جرائم الحوثيين في مناطق سيطرتهم

في الوقت الذي يواصل الحوثيون جرائمهم ضد المدنيين في صنعاء وصعدة والحديدة وإب وتعز، يلتزم المجتمع الدولي صمتًا غير مبرر.

    •    جرائم ضد النساء: اعتقالات، تعذيب، تجنيد قسري، واستعباد اقتصادي.

    •    قمع الحريات: سجن الصحفيين، إغلاق وسائل الإعلام، وفرض رقابة شديدة على الإنترنت والمعلومات.

    •    إعدامات تعسفية: كما حدث مع عشرات المعارضين، بما في ذلك الأطفال.

    •    نهب المساعدات الإنسانية: تحويل المعونات إلى مقاتليهم، وترك المدنيين يعانون من المجاعة.

ورغم كل هذه الجرائم، لم نرَ أي تحرك دولي حقيقي، بل بالعكس، نجد أن الأمم المتحدة لا تزال تتعامل مع الحوثيين كطرف شرعي في المفاوضات، في تجاهل صارخ لكل انتهاكاتهم.

الحاجة إلى استراتيجية حاسمة

لم تُحسم المعركة مع الحوثيين بسبب التردد السياسي، الفشل الدبلوماسي، غياب الحسم العسكري، الفساد المالي، وعسكرة البحر الأحمر، إضافة إلى الصمت الدولي على جرائم الحوثيين. إن استمرار هذه العوامل يعني أن اليمن سيظل عالقًا في حرب لا نهاية لها. الحل لن يكون في مزيد من المفاوضات العقيمة، بل في تحرك عسكري وسياسي حقيقي يضع حدًا لهيمنة الحوثيين، وإجبار المجتمع الدولي على الاعتراف بأنهم جماعة إرهابية لا يمكن التعايش معها.

اكاديمية ودبلوماسية سابقاً