إيقاف تذاكر الحوثيين.. خطوة جريئة تعيد ضبط بوصلة السيادة والشرعية الاقتصادية

الرئيسية | مقالات | 01 يونيو 2025

محمد الصباري

منذ الانقلاب الذي نفذته مليشيا الحوثي على الشرعية والجمهورية في اليمن، وسيطرتها على أجزاء واسعة من البلاد، بدأت مؤسسات الدولة تتهاوى تباعًا، وتحولت الموارد الوطنية إلى أدوات في يد جماعة لا تعترف بمفهوم الدولة، ولا تُقدّم مصلحة الشعب على أجندتها الطائفية التابعة للخارج، ولا على مشروعها السلالي الزاعم بأحقية حكم البلاد.

لقد اتسمت سياسات هذه المليشيا بالاستنزاف المنظّم، عبر منظومة جبايات مفروضة على جميع القطاعات والمواطنين، في ظل غياب تام للشفافية والمحاسبة، واستهتار واضح بالحد الأدنى من القيم الإنسانية.

وقد تجلّى هذا العبث مؤخرًا في أزمة الخطوط الجوية اليمنية، حين اختطفت المليشيا أربع طائرات تابعة للشركة الوطنية، وعرضتها للتدمير المتعمد عبر استدعاء عدوان خارجي استهدف المطارات والموانئ ومحطات الكهرباء والمصانع، محوّلاً أسطول "اليمنية" إلى ركام في لحظات.

ما حدث لم يكن إلا حلقة ضمن سلسلة التدمير الممنهج الذي تقوده هذه الجماعة، بهدف تقويض البنى التحتية الحيوية وشل الخدمات الأساسية، دون أي اعتبار لحياة المواطنين أو لمعايير المسؤولية والسيادة.. جماعة تُقامر بمقدرات الشعب وتغامر بمصيره خدمة لأجندات إيرانية ومصالح خارجية لا تمتّ لليمن بصلة.

سياسة النهب هذه طالت كل مفاصل الاقتصاد الوطني، إذ دفعت الجبايات والضغوط الحوثية الخطوط الجوية الشرعية في عدن إلى وقف التعامل مع التذاكر الصادرة من مناطق سيطرة الجماعة، في مشهد فاضح للفساد الممنهج، حيث تتحول المؤسسات العامة إلى أدوات تمويل مباشرة لمشروعها السياسي والعسكري المصنّف إرهابيًا دوليًا.

وتترافق هذه السياسات الاقتصادية الكارثية مع حملات قمع شاملة تبدأ بإسكات الأصوات الحرة، وتمتد إلى تكبيل الحريات، وبث الخوف والرعب في نفوس السكان، حتى باتت الحياة اليومية في مناطق الحوثيين خاضعة لرقابة خانقة وأجواء قمعية مستمرة.

ولم تكتفِ المليشيا بذلك، بل فرضت مناهج تعليمية وأساليب إدارية تعمّق الانقسام وتعيد إحياء ثقافة التمييز الطبقي، بما يقوّض أي أمل في بناء مجتمع متماسك أو إدارة رشيدة.

النتيجة: كارثة إنسانية واقتصادية شاملة، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، حيث يعيش معظم اليمنيين تحت خط الفقر، في ظل انهيار اقتصادي تام وبُنى تحتية مدمّرة، وسط صمت دولي وتواطؤ إقليمي.

والأخطر من ذلك هو استمرار المليشيا في تقويض جهود إحلال السلام، مستندة إلى دعم خارجي مكشوف، يهدف إلى إبقاء اليمن في قبضة سلطة أمر واقع مغتصبة، دون أدنى شرعية أو تمثيل شعبي.

في المحصلة النهائية، فإن مليشيا الحوثي ليست مجرد جماعة مسلحة، بل هي آلة تدمير شاملة حولت اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية وللنهب المنظم والقتل الممنهج. 

لقد أصبح تحرير المؤسسات الوطنية من براثن هذه المليشيا وإعادة بنائها على أسس سيادة القانون والكفاءة ضرورة حتمية لإنهاء معاناة الشعب اليمني.. فبدون استعادة الدولة من قبضة هذه الجماعة الظلامية، سيظل اليمن غارقاً ولن يُكتب له الخروج من نفق الأزمة المظلم إلا بإرساء نظام شرعي يحترم إرادة الشعب ويُعيد للوطن سيادته وكرامته المسلوبة على غرار الشقيقة سوريا اليوم.