المعركة الأخيرة.. وثائقي بسرديات ناقصة وأهداف مجهولة

الرئيسية | مقالات | 05 أغسطس 2025

عبود الحربي

الفيلم الوثائقي الأخير الذي بثته قناة "العربية" تحت عنوان المعركة الأخيرة، والذي تناول المواجهة بين الرئيس الراحل علي عبد الله صالح والمليشيا الحوثية في الثاني من ديسمبر 2017، والتي انتهت بمقتل الرئيس صالح ورفيقه عارف الزوكا، وإعلان ذلك من قبل الحوثيين عبر قنواتهم ومنصاتهم الإعلامية، لم يكن فيلمًا موفقًا من حيث سرد الأحداث بصورة حقيقية ومتكاملة. كما لم يكن بمستوى قناة "العربية"، ولم يلبِّ تطلعات الجمهور اليمني والعربي المتابع للأحداث السياسية المعقدة في اليمن، وخصوصًا أحداث استشهاد الرئيس صالح، التي شغلت الرأي العام وما تزال محل اهتمام أبناء الشعب اليمني كافة، بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية، لما يمثله الرئيس السابق من رمزية سياسية لا تزال حاضرة بقوة في الذاكرة السياسية والشعبية لدى جميع أطياف الشعب اليمني.

السرديات التي قُدِّمت في الفيلم المذكور لم تكن مكتملة؛ إذ جرى اجتزاؤها وتقطيعها وحذف العديد من تفاصيلها بطريقة أضاعت جوهر الحقيقة والهدف من إنتاج الفيلم، الذي كان يُفترض أن ينصف الرجل ويفضح إرهاب المليشيا الانقلابية الحوثية. ولهذا، فجّر الإعلامي البارز فيصل الشبيبي، المدير السابق لقناة "اليمن اليوم"، مفاجأة مدوية بتصريحه العلني عبر حسابه في "فيسبوك" حول ما وصفه بـ"الاجتزاء المتعمد" للمقابلة التي أُجريت معه ضمن الفيلم المذكور. وبحسب منشوره، فقد قال إن المقابلة استمرت لمدة 15 دقيقة، في حين لم تبث القناة سوى بضع ثوانٍ منها، تم اختيارها بطريقة تخدم – حسب قوله – "رواية مسبقة وموجهة".

الانتقادات لم تقتصر على الشبيبي، بل جاءت أيضًا من كتّاب ومثقفين آخرين عبّروا عن استيائهم الشديد من المحتوى العام للفيلم، الذي كان من المفترض أن يُنصف الرئيس صالح، ويعزز موقف جبهة الشرعية والتحالف، ويسرد الوقائع المصاحبة للحدث بمهنية عالية وموضوعية مكتملة، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة والترويج لوجهة نظر واحدة معروفة مسبقًا. ومن أبرز المغالطات التي وردت في الوثائقي ما يتعلق بعنوان الفيلم نفسه، المعركة الأخيرة، وهو عنوان يحمل دلالات مريبة ومشفرة، فالمعركة لم تكن الأخيرة ولم تنتهِ حتى اليوم.

كما جاء في الفيلم ما يفيد بأن محافظة صعدة سقطت عام 2010، وهو غير صحيح؛ إذ إنها سُلّمت للمليشيا الحوثية في عام 2011، وأُعلن حينها عن "إسقاطها" من قِبل من كانوا يُعرفون بـ"شباب الثورة السلمية"! كذلك وردت رواية غير صحيحة عن سبب انقطاع بث قناة "اليمن اليوم"، حيث أُشير إلى أن البث انقطع بسبب سيطرة المليشيا، بينما الحقيقة أن الانقطاع كان نتيجة هجوم سيبراني نفذته مجموعة تابعة لـ"حزب الله" اللبناني من نيويورك، كما تجاهل معدو التقرير المواجهة الشرسة التي دارت بين حراس القناة والمليشيا الحوثية، واستمرت 12 ساعة متواصلة، رغم عدم التكافؤ من حيث العدة والعتاد، بحسب تصريح مدير القناة آنذاك، الصحفي فيصل الشبيبي.

أمر آخر هو أن الفيلم أظهر الرئيس السابق، رحمه الله، وكأنه هو من سلّم المعسكرات للحوثيين، وأدخلهم إلى العاصمة صنعاء وبقية المحافظات، وهذا طرح خاطئ وغير صحيح. كما تجاهل الفيلم تمامًا الأحداث السياسية والفوضى التي أدّت إلى إسقاط الدولة، بدءًا من أحداث 2011، وهيكلة الجيش اليمني السابق، وإعلان الجيش حينها الحياد التام أثناء حصار دماج، إضافة إلى قيام الرئيس هادي بتهجير أهل السنّة (السلفيين) من قرية دماج، في سابقة خطيرة لم يشهدها الشعب اليمني من قبل.

كذلك تم تجاهل الأحداث الساخنة التي شهدتها محافظة عمران، والتي أفضت إلى مقتل حميد القشيبي والسيطرة على اللواء 310، وظهور الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي حينها ليعلن للشعب "عودة المحافظة إلى حضن الدولة"، في حين أن الحقيقة على الأرض كانت عكس ذلك، إذ كانت المليشيا الانقلابية قد أحكمت قبضتها على المحافظة وتستعد للتقدم نحو العاصمة صنعاء.

كما تجاهل الفيلم العديد من الأحداث السياسية المهمة في تلك المرحلة، ولم يوثق حقيقة الصراع والتحالفات بين المكونات الحزبية، ومواقف الشخصيات والقيادات السياسية، خصوصًا قبيل اقتحام المليشيا للعاصمة.

ولذا كان من المفترض من قناة بحجم "العربية" أن يتحرّى القائمون عليها وعلى برامجها السياسية الشفافية والمصداقية في الطرح، خصوصًا حين يتعلق الأمر بشخصية محورية مثل الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، رحمه الله، كونه شخصية سياسية مؤثرة في مجريات الصراع اليمني، وواجه المليشيا الانقلابية الحوثية منذ 2004 وحتى إعلان انتفاضته في 2 ديسمبر، ثم مقتله في 4 ديسمبر 2017.

والمطلوب كذلك من القناة أن تراجع مواقفها السياسية السابقة، بما يتماشى مع المتغيرات السياسية والعسكرية والمواقف الدولية، وألا تسمح لأصحاب الانتماءات الحركية المشبوهة والحاقدة ببث سمومهم عبر شاشتها ومنصاتها الإعلامية. ولتكن "العربية" منبرًا ثقافيًا عربيًا في مواجهة المشروع الإيراني وأدواته المحلية، مع ضرورة التنبه إلى الأيادي الخفية التي تسعى، بوسائل ناعمة، إلى ضرب الشرعية والتحالف من الداخل. وليدرك القائمون على "العربية" أن عالم السياسة متغير لا ثابت، وأن خارطة التحالفات السياسية والعسكرية تتبدل بتبدل المواقف والمستجدات على أرض الواقع.