من الكهوف إلى العروش

الرئيسية | مقالات | 26 أغسطس 2023

سمية الفقية

إن استمرت معطيات الوضع الراهن وتداعياته الخطيرة في التنامي دون أن توجد الحلول العقلانية لعقلاء اليمن وحكمائها، فإننا سنشهد واقعا يجرنا إلى مزيد من الموت المؤطر بالكرامات المُهانة والسقوط في وحل الفوضى والاغتيال لأي مشروع يدخلنا في مصاف الدول الإنسانية بعيدا عن مبادئ الهمجية والبطش والرجعية الخالية من أي ولاء للوطن ولبسطائه.

 

إن كنا نظن أن من يأتي من كهوف الماضي بإمكانه أن ينطلق بنا لفضاء المدنية والمساواة والحرية بعيدا عن ديكتاتورية السلاح وقمع الحياة وتكميم الرؤى والافواه والحريات، فنحن واهمون، ونغدو كمن يجمع الرماد في هيجاء يوم عاصف. 

 

الدول لا يمكن أن تبنيها الرجعية والديكتاتورية وفرض قوة البنادق وتكميم الأفواه، والتي تمارسها جماعة الحوثي المسيطرة على مفاصل البلاد بالقوة، دونما استحقاق، ودونما مسوغ قانوني يجيز لهم العبث بكل مقومات الدولة التي تعدوا على منهجيتها ومعطياتها وقلبوها رأسًا على عقب. وتعدت على كل الأطر الشرعية، وقفزت قفزًا صارخًا على كل العهود والمواثيق الإنسانية، والسياسية والأخلاقية، والمصيرية. وعادوا بنا لحكم الرجعية والانغلاق من جديد بعد أن ظللنا ستة عقود نبحث عن الجمهورية والديمقراطية، وراح ضحية ذلك مئات الآﻻف من اليمنيين والنتيجة كانت رجوعنا لقرون الفكر الرجعي والهمجية وحوار البنادق.

 

هذا العبث الذي يعيشه وطننا والفوضى الكبيرة واختلال موازين الدولة وضياعها أمام سيطرة قوى الرجعية التي تديرها جماعة الحوثي يُفرغ البلاد من أي مشروعية ثورية التي يدعي الحوثي تصحيحه لمسار الثورة، لكنه يضحك على ذقون كل اليمنيين، وذلك حين تعامل مع بلاده وكأنه محتل وطغى بالقوة على كل مقومات الشرعية والدستورية، حتى وإن كان في الأمر لعبة سياسية فاقت التحليلات والتخيلات، فذلك لا يعطيه الحق إطلاقًا التحكم بمصير شعب بأكمله يريد أن يعيش كريمًا بينما كرامته سُحلت تحت كهنوت قوم الكهوف هؤلاء، وبغي بنادقهم والموت الذي أضحى ينتظره عند كل رصيف من أرصفة بلاده.

 

لا يمكننا ومن خلال واقع يموج في الهرج والمرج السياسي المرعب إلا أن نفصح عما يعانيه كل اليمنيين من انتكاسة روحية ونكبة مؤلمة صارت تدمي أرواحهم، ويقينهم أن قومًا عاشوا على مبادئ العنف، وتمنطُق السلاح، واعتاشوا من الاحتراب والتقطع والسلب والنهب، قوم عاشوا في الكهوف وأغلقوا عقولهم عن الفكر والحياة لعقود مضت، بينما بلعبة سياسية دنيئة صعدوا إلى القصور، قوم كهؤلاء يستحيل عليهم أن يبنوا وطنًا أو يؤسسوا للعدل والحق والمساواة، وينشئوا دولة مؤسسات حقيقية..

 

لذا من أجل أن يظل اليمن شامخًا أبيًا، لا بد لليمنيين أن يقولوا كلمتهم طالما فشل السياسيون أن يستعيدوا الوطن من قوم الكهوف هؤلاء، وحينها وفي هذه الحالة فقط سيرتدون إلى جحورهم صاغرين. وما دون ذلك سيظل اليمن رهن البطش ومستنقعات الدماء، ووحل المقاصل والمشانق وبغي قوم صعدوا من الكهوف إلى العروش.