ابن الأمير الصنعاني هو عالم يمني عاش في الحقبة الممتدة من عام 1687م-1768م، ويعد من أهم رموز التجديد في الفكر الديني في اليمن والعالم العربي، إلى جانبه الإمام الشوكاني، وابن الوزير، والمقبلي والجلال.
عندما تقرأ عن ابن الأمير تخبرك الكتب أن الإمامة كانت تخشاه حياً وميتاً، فعندما كان حياً، كان صاحب رؤية فكرية وإسلامية تجديدية تعتبر ثورة ضد الفكر الزيدي المتطرف، الذي تربت الإمامة على أفكاره بتطرفها السياسي وإرهابها الفكري.
ما يجعل من ابن الأمير من عظماء التاريخ اليمني هو خروجه عن الفكر الإمامي الذي تربى وعاش في كنفه وانتمى إليه أسرياً، فهو بالرغم من نسبه العلوي إلا أنه خرج على الطوق الإمامي لكونها تخالف العقيدة الصحيحة والسنة النبوية الشريفة، فهو سني وسط بيئة زيدية.!
لقد عاش ابن الأمير في صنعاء، لذلك لقب بالصنعاني، وقد عُرف عنه سعة اطلاعه وانكبابه الشديد على العلم، ولشدة حرصه عليه قيل إنه كان ينسخ الكتب على ضوء القمر.
لقد صادر القاسميون الذين كانوا يتعاقبون على حكم البلاد، آنذاك، كل سلطة سياسية لأسرة ابن الأمير في مرحلة سابقة من مولده، لذلك عاش والده في قرية "كهلان" البعيدة عن مدينة صنعاء، وآثر والده العزلة على السياسة مما وفر لابن الأمير بيئة مناسبة لنمو مجده العلمي وبناء سلطة علمية توازي السلطة السياسية للقاسميين.
ابن الأمير لم يكن يطلب استعادة الدور السياسي لأسرته، فقد رفض كل المناصب السياسية التي عُرضت عليه، وفي كل ثوراته اللاحقة ضد القاسميين الاماميين كان يؤكد دائماً على دعوته الإصلاحية والدعوة إلى السلام.
مثّل ابن الأمير الصنعاني ثورة في الخطابة المراجلة، وبحماية من الجماهير كان يصدح بخطبه الثورية ضد الإماميين، وكان هؤلاء الأخيرون لا يتجرأون على النيل منه، فقد استطاع أن يبني مكانته العالية في المجتمع وأن يكتسب الشعبية الواسعة وملكة المناورة الفكرية بقوة الحجة وسعة العلم وغزارة الاطلاع، لأنه صاحب تأثير، كانت أفكاره محل تقدير كبير، ولم يستطع أحد أن ينال منها.
لكن بالرغم من ذلك لا يمكن إغفال دور الوشاية والفخاخ التي نصبتها له قوى السلطة الحاكمة، ففي إحدى خطبه لم يذكر في خطبته اسم القاسميين ولم يصل عليهم كما يعمل بقية الخطباء من عصره، إذ يبدأون خطبتهم بالصلاة على آل القاسم، وهذا ما دفع الأخرين إلى محاصرة المسجد، وكانوا قد أزمعوا على قتله لكنه نجا من القتل، بسبب ذلك دخل السجن لكنه لم يلبث سوى شهر واحد وخرج منه حراً أبياً.
في الشعر كان ابن الأمير شاعرًا لا يدانيه أحد من الشعراء، فقد دون معظم أفكاره شعراً ونثراً، وكانت قصائده ذات عناوين ثورية على النحو الآتي: ناعى الدين، أين التناصح، عصابة إبليس، قضاة السوء، أين تذهب أموال الشعب، العصابة الهاشمية القاسمية، أكل الزكاة، انحلال، يا وزراء السوء، إنذار... الخ. وكان مما قاله عن الإمامة: إني ومن بيت الإمام عصابة في العد قد زادوا على الآلاف مسترزقون من الرعايا ليتهم قنعوا بأكل فرائض الأصناف بل يأخذوا من الرعايا كل ما يحوونه كرها بلا استنكاف
ولقد هب الناس لنسخ القصيدة وتناقلها بينهم بعد قولها مباشرة ولاقت صدى كبيراً كاد أن يطيح بالإمامة.
وقال أيضاً: أسماء شر وأفعال مقبحة طوائف ما لهم يمن وايمان فكم اخافوا وما خافوا وكم نهبوا واخربوا فلهم في الارض نيران يكفي ابن الأمير أنه أسقط أهم أدلة تكفير الأمة واستباحة دمائهم الذي اعتمدت عليه الهادوية في كتابه إقامة الدليل على بطلان أدلة تكفير أهل التأويل.
لقد كان ابن الأمير صاحب منهج سني في بيئة زيدية، ولكنه في مقابل ذلك لم يكن وهابياً، حيث تزامن ظهوره مع ظهور الوهابية، إذ إنه وجه نقده للوهابية في كتابه في "نقد الوهابية". ويتسم منهج ابن الأمير بالمنهج المعتدل الذي لا خروج فيه ولا غلو: وتكفير أهل الأرض لست أقوله كما قلته لا عن دليل به تهدي وها أنا أبرا من فعالك في الورى فلا أنت في هذا مصيب ولا مهدي
ترك ابن الأمير ثروة معرفية ضخمة في مختلف المجالات، ما يزيد عن 100 كتاب ومصنف، أهمها: سُبل السلام في شرح بلوغ المرام، والروضة الندية شرح التحفة العلوية، وتطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد.