حشد نت - أبو ظبي:
أكد محللون وخبراء في شؤون منطقة الشرق الأوسط، أن التصعيد الحاصل في البحر الأحمر وخليج عدن له تداعيات كبيرة على الأمنين الإقليمي والبحري؛ ناهيك عن الأضرار الاقتصادية الكبيرة التي يخلفها على التجارة العالمية ومساعي السلام الدولية والأممية لحل الأزمة اليمنية.
وأوضح الخبراء أن ميليشيات الحوثي تستخدم ملف مضيق باب المندب بما يُلبي مصالحهم الخاصة، ومصالح المحور الإيراني في المنطقة. وأن هذا الاستغلال سيتكرر مرات قادمة مستقبلاً. مشيرين إلى أن الردع الذي تقوده الولايات المتحدة لحماية الملاحة لن يُجدي كثيراً مع الحوثيين، ولن يجبرهم على إيقاف تصعيدهم في البحر الأحمر.
واستبعد الخبراء خلال ندوة أقامها مركز الإمارات للسياسات، في السابع من فبراير الجاري، توقف الهجمات الحوثية التي تطال السفن التجارية على المدى القريب في حال عدم وجود حلول بديلة للتعامل مع الأزمة. موضحين أن التعويل على دور قادم لسلطنة عُمان واستغلال قنوات تواصلها مع إيران والحوثيين لإيقاف التصعيد في البحر الأحمر.
الندوة ناقشت التصعيد الحاصل في البحر الأحمر وخليج عدن، واستشراف مستقبله وتداعياته على الأمنَين الإقليمي والبحري، والتجارة العالمية، ومشاريع الممرات الاستراتيجية البديلة. وتطرقت إلى ثلاثة محاور أساسية، هي: السيناريوهات المحتملة للتصعيد الحالي بين الحوثيين والولايات المتحدة؛ وتداعيات التصعيد الحالي وتطوراته على الأزمة اليمنية وعلى الأمنين الإقليمي والبحري والمصالح الدولية؛ وطبيعة الترتيبات السياسية والأمنية الإقليمية للتعامل مع التصعيد الراهن والخيارات البديلة.
تهديد طويل الأمد
أوضحت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات أن التنامي في حدّة التصعيد بين الحوثيين والولايات المتحدة يزيد من المخاوف من خروج الأوضاع عن السيطرة في منطقة جنوب البحر الأحمر، بما يخلق تهديداً خطِراً وطويل المدى ليس للأمن الإقليمي فحسب، بل أيضاً لحركة التجارة العالمية.
وأشارت إلى أن التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وخليج عدن فتح البابَ أيضاً لعودة أعمال القرصنة البحرية المنطلقة من الأراضي الصومالية، في ظل انشغال القوات الدولية بالتهديد الجديد. حيث سُجلت خلال الأسابيع الماضية نحو أربع عمليات قرصنة على الأقل نجح القراصنة في السيطرة على سفينتين تجاريتين.
وبحسب الكتبي، يؤدي التصعيد إلى تعطيل المساعي الدولية والأممية لحل الأزمة اليمنية، وتقويض التفاهمات الأخيرة التي تم التوصل إليها بين جماعة الحوثي والمملكة العربية السعودية، وبخاصة إذا قررت الولايات المتحدة وحلفاؤها الانتقال من استراتيجية ضرب قدرات الحوثيين على استهداف حركة الملاحة عبر القصف الجوي، إلى استراتيجية التدخل البري ودعم الحكومة الشرعية والقوى اليمنية الأخرى على الأرض.
وأضافت: التنامي في حدّة التصعيد بين الحوثيين والولايات المتحدة يزيد من المخاوف من خروج الأوضاع عن السيطرة في منطقة جنوب البحر الأحمر، بما يخلق تهديداً خطراً وطويل المدى للأمن الإقليمي، ولحركة التجارة العالمية.
ورقة رابحة
من جانبه وصف ماجد المذحجي، رئيس مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، لجوء جماعة الحوثي للتصعيد في جنوب البحر الأحمر، بأنه "حدث تأسيسي"؛ من شأنه إعادة تعريف دور الحوثيين بالكامل، وزيادة قيمتهم الاستراتيجية في إطار ما يسمى "محور المقاومة"، الذي تقوده إيران.
وأكد المذحجي أن الحوثيين من أبرز الرابحين في التصعيد القائم في البحر الأحمر وخليج عدن، ومع أن حصول تهدئة أو وقف لإطلاق النار في غزة، قد يدفعهم إلى عدم مواصلة تصعيدهم ضد السفن التجارية التي تمر قبالة سواحل اليمن، لكن هذا لن يحول دون استخدامهم ملف مضيق باب المندب في مرات قادمة مستقبلاً، بما يُلبي مصالحهم الخاصة، ومصالح المحور الإيراني في المنطقة.
تردد أميركي
وحول التدخل الأميركي وسياسة واشنطن في التعامل مع التهديد الجديد، يبيَّن عمر طاشبينار، أستاذ الدراسات الأمنية في كلية الحرب الوطنية بالعاصمة الأمريكية واشنطن، أن الولايات المتحدة لجأت بشيء من التردد إلى التعاطي عسكرياً مع التهديدات الحوثية لممرات الملاحة الدولية. وأضاف: "تعتقد الإدارة الأمريكية أن ثمة حاجة للحفاظ على مستوى معين من خفض التصعيد في الشرق الأوسط، بشكل عام، لا سيما أن أي تصعيد عسكري قد يُهدِّد بتقويض مسار السلام في اليمن الذي تنخرط فيه السعودية، وتدعمه إدارة الرئيس بايدن".
وأضاف: على الرغم من إدراك الولايات المتحدة صعوبة ردع الحوثيين، فإنَّها قررت اللجوء إلى العمل العسكري ضدهم، بهدف إرسال رسالة قوية بأنها لن تتسامح بتهديد ممرات التجارة الدولية من قبل أي طرف. وبعد مقتل جنود أمريكيين في الهجمة التي تعرضت لها قاعدتهم في الأردن مؤخراً، كان هناك قرار أمريكي حازم بالعمل ضد جميع الوكلاء الإقليميين لإيران، الأمر الذي يزيد من صعوبة التعاطي الدبلوماسي مع ديناميكيات التصعيد في المنطقة.
وذهب طاشبينار إلى أنه من المهم أن يكون هناك توازن في التعامل مع التهديد الحوثي القائم؛ فمع مواصلة الولايات المتحدة عملها العسكري ضد الحوثيين، يجب أن يكون هناك أمل في استمرار المفاوضات بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية.
فشل النهج الأوروبي
وبشأن الاستجابة الأوروبية للتصعيد في البحر الأحمر، أشارت إليونورا أرديماني، زميلة البحث المشاركة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (IPSI)، إلى أن النهج الأوروبي الحالي في التعاطي مع هذه الأزمة لم ينجح حتى الآن، وفي تقديرها أن لدى الولايات المتحدة وبريطانيا أهدافا متوازية مع الاتحاد الأوروبي في التعامل مع هذه الأزمة؛ فبينما تهدف واشنطن ولندن إلى تقويض القدرات العسكرية للحوثيين، يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى التخفيف من التداعيات التجارية للتهديدات الحوثية.
ويفتقر الأوروبيون، بحسب أرديماني، إلى سياسة واضحة ومتماسكة للتعاطي مع أزمة البحر الأحمر، وكذلك مع المشكلة الأوسع نطاقاً، وهي الدور الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة.
ومع استبعاد إمكانية توقف الهجمات الحوثية التي تطال السفن في البحر الأحمر على المدى القريب، فإن الباحثة الإيطالية ترى أنه من الجيد الشروع في إيجاد سياسة ذات أرضية مشتركة بين مجلس التعاون الخليجي والغرب حول كيفية التعامل مع أزمة البحر الأحمر، خصوصاً وأن الطرفين يتشاركان الآن في نفس التصور حول التهديد الحوثي. كما نوَّهت بالدور الذي يمكن أن تقوم به سلطنة عمان في هذا الإطار، باعتبار أن مسقط لديها قنوات اتصال مفتوحة ومباشرة مع الحوثيين وإيران.
انعدام الثقة
ويرى البدر الشاطري، الأستاذ في كلية الدفاع الوطني في أبوظبي، أن دول مجلس التعاون الخليجي لم تعُد تثق كثيراً بالنهج الأمريكي والغربي في التعامل مع قضية الحوثيين، لا سيما أن واشنطن ولندن، وبقية العواصم الغربية، لم تأخذ تهديدات الجماعة، المدعومة إيرانياً، للأمن الإقليمي على محمل الجد عندما كان مجلس التعاون الخليجي يتعامل معهم.
كما اتفق محمد باهارون، المدير العام والشريك المؤسِّس لمركز دبي لبحوث السياسات العامة (بحوث)؛ والبدر الشاطري، على أن الردع لن يُجدي كثيراً مع الحوثيين، ولن يجبرهم على إيقاف تصعيدهم في البحر الأحمر؛ وأن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من الصعب أن يحقق أهدافه، بالطريقة التي يُدير بها الأمور حالياً، لا سيما أن الإدارة الأمريكية ليست لديها رؤية شاملة لكيفية التعامل مع معضلة الحوثيين، الذين يؤججون الوضع في جنوب البحر الأحمر في ظل يقينهم بأنه ليس لديهم الكثير مما يخسروه.
وأكد باهارون والشاطري على أن تحالف "حارس الازدهار"، الذي تقوده واشنطن، غير مُستدام بطبيعته، ويستخدم أساليب تكتيكية قصيرة المدى لردع الحركة الحوثية، سبق وأن جُرِّب بعضها من قبل ولم تُجدِ نفعاً.
مصر المتضرر الرئيس
من جهته، يؤكد السفير كريم حجاج، الأستاذ المُمارس في كلية الشؤون الدولية والسياسة العامة، ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن مصر تعد من أكثر الدول المتضررة من تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر، باعتبار التأثير الحاسم والواضح لهذا التصعيد في تراجُع إيرادات قناة السويس، التي تعتمد عليها الخزانة المصرية بشكل كبير في الحصول على العملة الصعبة.
ويرى حجاج أن القاهرة، كما هو حال معظم دول المنطقة، رفضت الانضمام إلى تحالف "حارس الازدهار" الذي تقوده الولايات المتحدة في البحر الأحمر، من منطلق الإدراك السياسي المصري بأن هناك حاجة للتعامل مع الأزمة الإقليمية الشاملة، وأنَّه من الصعب الفصل بين حرب غزة والتصعيد الحاصل في جنوب البحر الأحمر.
وأشار السفير حجاج إلى أن استراتيجية إيران في ربط أعمال وكلائها بالقضية الفلسطينية أخذت تؤتي ثمارها، ما جعل مشاركة مصر وغيرها من الجهات الإقليمية الفاعلة في تحالف عسكري "تقوده الولايات المتحدة" ضد الحوثيين أمراً صعباً للغاية. مشددا على ضرورة إجراء حوار شامل بين مختلف الأطراف لنزع فتيل التوتر القائم في المنطقة، ومعالجة الملفات الإقليمية العالقة، وفي مقدمتها الملف الفلسطيني.