منذ ما يقرب من أسبوع تقريباً، وفي خضم الحرب بين حماس وإسرائيل، قام الحوثيون بخطف سفينة تجارية مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي في البحر الأحمر.
واليوم الاثنين الموافق 27 نوفمبر 2023 أطلق الحوثيون صاروخين باليستيين من المناطق التي يسيطرون عليها في اليمن باتجاه مدمرة أمريكية بحرية في خليج عدن.
وسبق أن توعدت جماعة الحوثي، باستهداف السفن التي تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية "نصرة لقطاع غزة" - على حد قولهم - داعية الدول إلى "سحب مواطنيها العاملين ضمن طواقم هذه السفن.
ومع تصاعد الأحداث في المنطقة، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية عبور حاملة الطائرات أيزنهاور مضيق هرمز لدخول مياه الخليج.
أيزنهاور تقوم بدوريات لضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية الرئيسية مع دعم متطلبات القيادة المركزية الأميركية في جميع أنحاء المنطقة".
مما هذا التصعيد من جماعة الحوثتى، أعلنت الحكومة الأمريكية أنها تدرس إعادة المتمردين الحوثيين في اليمن إلى قائمة المنظمات الإرهابية بعد انتهاكهم للقانون الدولي لاختطافهم سفن شحن في البحر الأحمر.
فإلى أي مدى يُمكن أن تصل تداعيات تلك التطورات الحالية والمحتملة في هذا السياق لجهة التأثير الاقتصادي وتهديد الممرات المائية المهمة التي تمثل عصب حركة التجارة؟
▪︎آراء لخبراء عن آثار وتبعات القرصنة..
من باريس، يشير خبير اقتصادات الطاقة، نهاد إسماعيل، إلى أن القرصنة الحوثية" للسفن التي تستخدم البحر الأحمر ليست جديدة، حيث استهداف ناقلات النفط والسفن التجارية، وقصف منشآت نفطية، هذه العمليات لها تداعيات خطيرة اقتصادياً وسياسياً، ولا يمكن تجاهل التأثير السلبي على اقتصادات الدول المحاذية للبحر الأحمر، وهو ممر بحري هام للتجارة العالمية ونقل الغاز والنفط.
وقال نهاد: "السعودية ومصر والأردن يتكبدون خسائر إذا تم تعطيل الملاحة، علاوة على خسائر قطاع السياحة، وأيضاً ازدحام السفن في الموانىء، اضف إلى ذلك صعود وتيرة مخاطر العلاوة الجيوسياسية التي ترفع أسعار النفط والغاز، وكذلك تكلفة الشحن البحري والتأمين البحري، كما يدفع ذلك إلى تجنب شركات الشحن البحر الأحمر وتلجأ لاستخدام طرق بحرية بديلة، مما يرفع التكاليف ويبطئ وصول البضائع والمواد المنقولة بحراً، ما يعني تعطيل سلاسل الإمداد البحري واللوجستيات".
ويضيف خبير اقتصادات الطاقة: "الخوف الأكبر هو سيناريو إغلاق مضيق باب المندب أمام الملاحة وناقلات النفط والغاز، وإذا حدث ذلك سنرى تصاعداً في ارتفاع المخاطر وسعر نفط فوق 125 إلى 140 دولاراً للبرميل وصعوبة في الحصول على خدمات التأمين بسبب المخاطر". وشدد نهاد إسماعيل، على أن تكلفة التأمين البحري منذ الحرب في أوكرانيا ارتفعت حوالي 25 بالمئة وقد تتضاعف إذا تكررت الاعتداءات والقرصنة في البحر الأحمر، وقد نرى تدخلاً عسكرياً أميركياً ليس فقط ضد الحوثيين بل أيضاً ضد إيران.
أما الباحث المصري في العلاقات الدولية محمد شعت قال : "أن جماعة الحوثي غير منفصلة عن إيران التي توظف القضية الفلسطينية لصالحها منذ عقود"، وأشار إلى أنه: "على الرغم من التهديدات المستمرة من جانب إيران بمحو إسرائيل فإنها لم تدخل معها في حرب مباشرة، وتحرك أذرعها كأوراق ضغط على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وفي النهاية يكون التفاوض مع إيران وتحقيق المصالح مع إيران".
وأشار شعت إلى أن: "تكرار العملية مرهون برد فعل المجتمع الدولي والتفاهمات التي قد تتم بين الولايات المتحدة وإيران"، ولفت في الوقت نفسه إلى أن: "المعطيات حتى الآن تشير إلى الحرص على عدم التصعيد وتوسيع دائرة الحرب وهو ما يرجح السعي إلى الاحتواء عبر التفاهمات".
الأزمة كبيرة ولا يدرك هؤلاء الحوثيين ما ورائها، فمنطقة البحر الأحمر تشكل موقعًا استراتيجيًا يحظى بالاهتمام والمراقبة الدولية، كونها نقطة تجارية رئيسية تربط القارات الشرقية بالغربية.
فمضيق باب المندب يحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد مضيقي ملقا وهرمز، حيث يمر عبره يومياً حوالي 3 ملايين برميل نفط، أي نحو أربعة بالمئة من الطلب العالمي على النفط. كما ترتبط حركة التجارة العالمية ارتباطًا قويًا باستقرار مضيق باب المندب والبحر الأحمر، حيث تمر عبره 21 ألف سفينة سنوياً، أي ما يعادل 10% من الشحنات والبضائع البحرية العالمية، بما في ذلك معظم أنشطة التبادل التجاري بين آسيا وأوروبا، وفقًا للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.
التأثيرات بلا شك ستكون بالغة على أسعار النفط، وتوقع زيادتها حال استمرار هذه الهجمات، حيث ستعرقل التوترات في مياه البحر الأحمر عبور الناقلات النفطية إلى مختلف دول العالم وهو ما سيؤثر على الإمدادات في موسم الشتاء، الأكثر استهلاكا وحاجة للطاقة.
ارتفاع تكلفة التأمين على الشحن واللوجستيات عالمياً، مع اعتبار أن أهم مسار للسفن في العالم أصبح غير آمن.
التأثير على إيرادات قناة السويس المصرية، مع تحويل شركات الشحن مساراتها بعيدا عن البحر الأحمر وبالتالي قناة السويس، تجنبا لعمليات قرصنة أو هجمات مبنية على اعتقاد بارتباط هذه السفن بشكل مباشر أو غير مباشر بشركات أو رجال أعمال إسرائيليين أو يهود.
زيادة مسافة الطرق البحرية البديلة يعني استهلاك اكثر للوقود وزيادة مدة الشحن، وهو ما سينعكس مباشرة على زيادة أسعار السلع وبالتالي رفع معدلات التضخم عالمياً.
ما نستطيع أن نقوله أنه بعد استيلاء الحوثيين على السفن الإسرائيلية في تلك المنطقة، وزيادة تهديداتها، ستنتقل دائرة الصراع والتحالفات الدولية لمنطقة البحر الأحمر، ودخول الولايات المتحدة وإسرائيل في حرب تجارية مع إيران والدول المجاورة في تلك المنطقة.
* أكاديمية ودبلوماسية يمنية