بعد أن نفد مخزون الحوثي من المواقف والأكاذيب والخدع، التي دأب عبرها على امتصاص غضب الجماهير وكبح جماح سخطهم عليه، جاءه الفرج بحرب إسرائيل على غزة لينتهز الفرصة ويتفنن في استثمار سياقها العام داخلياً وخارجياً، محاولاً بكل السبل أن يصور نفسه البطل وصاحب الموقف العروبي والنخوة ولو كان كل هذا زيفاً وتدليساً ومخاتلة، وخداع جماهير الشعب، وخلق عداوات مفتعلة من خلال حماقته البحرية التي لم تغير مجرى الأمور في غزة قيد أنملة.
بعد عجزه وخيبة أمله في إحداث أي فارق بقرصنته في البحر وتهديده ممر التجارة العالمي، الذي أسقمته ردة الفعل العالمية بإغراق ثلاثة قوارب بمن فيها من طواقم، عاد لتكثيف جهوده في صنعاء وإجبار الناس على التظاهرات والوقفات الاحتجاجية بشكل يومي وأسبوعي تحت قوة السلاح والضغط ليبرز تعاطفه المنبوذ وموقفه الشائك.
يخرج الناس على مضض، وهم جوعى بائسون منهكون ساخطون من أهوال الاحتلال الذي يقتادهم إلى السبعين وهم في أبأس حال وأسوأ لحظة، حيث معاناتهم أشد ضراوة، وقد تفوق ما يعانيه إخوانهم في غزّة.
هؤلاء المتظاهرون المرغمون ستجعلهم يتذمرون من القضية التي عاشوا مؤيدين لها، مساندين لعدالتها، متضامنين معها منذ ميلادهم وحتى اللحظة، لكنكَ حين أصبحتَ تجرجرهم رغماً عنهم للوقوف معها، والتجمع من أجلها بأمركَ وتحت سياط جلاديك، نفروا منها لأول مرة، وتذمروا من معنى التضامن والتأييد حسب مفاهيمك؛ لأنك حولتها إلى مجرد لعبة وركوب موجة وطنية مفتعلة، وعدائية زائفة لم تفد الضحية بشيء، بل أردتَ أن تزيد على معاناة اليمنيين منذ بداية الحرب، التي أشعلتها ضدهم، معاناة وحصاراً وتجويعاً وتشريداً وبؤساً وأنت ترتكب الحماقات والقرصنات وتستهدف السفن التجارية وتختطفها لتجلب لهذا الشعب المغلوب على أمره حرباً خارجية لا طاقة لليمن على تحمل تبعاتها ومأساة انعكاساتها على أمنه واستقراره.
المواقف الإنسانية والتضامنات العروبية لا تأتي قسراً، ولا تُنتزع بالقوة ولا يُتاجر بها ولا يُروج لها في وسائل الإعلام؛ وإنما تنبع من صحوة ضمير وقناعة مبدأ وسلوك حسن وسياسة أخلاقية تنصف القريب قبل البعيد. أما أن تدعي الشرف والإخاء وتتذكر روابط الجغرافيا والدم وأنت تُجرع من هم تحت سلطتك أقسى الويلات وأذم الأفعال، وتضيق عليهم الخناق في معيشتهم وتروع أطفالهم وتنهب أموالهم، وتريد منهم أن يؤمنوا أن فيك خيراً وصلاحاً وإنسانية، فهذا أمر لا يقبله منطق تفكيرهم ولا وعي خبرتهم بكَ، فقد يئسوا منكَ وبلغ يأسهم حد اليقين.
لم تترك لهم بُداً أو خيطاً يغريهم بالثقة بأفعالك وتصرفاتك إذا كنتَ عدواً لهم وأنت تحكمهم، فكيف ستكون صديقاً وأخاً لإخوانهم في غزة؟! محال بالنسبة لهم تصديق شيء من هذا القبيل أيها الأفاك الخادع.
إذا كانت مسيرتك تجاه الشعب اليمني صهيونية بلا منازع، فكيف سيكون موقفكَ تجاه غزة فلسطينياً قومياً؟! حتى وأنت داخل معمعة هذا الموقف المزعوم، لم تكف عن ارتكاب الجرائم والأفعال المشينة داخل الأرض التي تسيطر عليها أو تدير المعارك على تخومها كي تصدق الجماهير أنك قد تخليت عن وطأة الشر في نهجك وشُغلت بالأرواح التي يزهقها الكيان الصهيوني في غزة وتفرغت للوقوف إلى جانب الخير والحق والمظلومين هناك، لكنكَ كثفتَ من بطشكَ وسخطك على رعيتك، وكل يوم تشن هجمة أو تسللاً على جبهة معينة تزهق فيها الأرواح وتفزع بها الآمنين وتبث الرعب والهلع في أوساط الأسر اليمنية.
خلال عام 2023، سقط ستون شخصاً ما بين طفل وكهل وامرأة ضحايا لألغامك المزروعة في مناطق شتى، وهذا نزر يسير من مآسيك التي يتلقاها اليمنيون ليل نهار.. وتأتي اليوم لإجبارهم على تأييدك في وهمك الزائف ونصرتك ضحايا غزة بقتل اليمنيين وتدمير ما تبقى منهم على قيد الحياة؟!
وكلما شاءت الأقدار والسياسات أن تجركَ إلى مربع السلام والتوافق من أجل وضع حد لمحنة اليمن وتنفيس وجعهم الحاد، تمردت ونفرت، وبُغيتك المضي في القضاء على حياتهم بشكل كلي من خلال شروطك التعجيزية وأوهامك المفلسة التي مزقت الحياة وشتتت الشمل وملأت الآفاق حزناً وبؤساً.