في خضم حالة اللا حرب واللا سلام ظهر المكتب السياسي للمقاومة الوطنية كنموذج فريد لمؤسسة وطنية تتجاوز المفهوم التقليدي للسياسة.. اليوم ونحن نحتفل بالذكرى الرابعة لتأسيسه، نسترجع مسيرة حافلة بالإنجازات والتحديات التي قدمت للساحل الغربي نموذجًا يُحتذى به في الجمع بين العمل العسكري والتنمية المجتمعية.
منذ تأسيس المكتب السياسي في 25 مارس 2021، بقيادة طارق صالح، لم يكن هذا الكيان مجرد رد فعل على الأزمات، بل كان مشروعًا طويل الأمد لبناء الدولة اليمنية الحديثة في ظل غياب السلطة المركزية.. أصبح المكتب السياسي أكثر من مجرد جهاز تنظيمي؛ فقد تحوّل إلى مركز نبض يربط بين المقاومة السياسية والتنمية الحقيقية على الأرض.
بفضل إرادة القيادة وتضحيات المقاومين في الجبهات، وضع المكتب نصب عينيه هدفًا واحدًا: تقديم حلول عملية لما يعانيه المواطن.. لم يكن الهدف مجرد تحقيق انتصارات عسكرية على الأرض، بل كانت هناك رؤية واضحة لبناء مجتمع جديد، حيث لا مكان للفوضى، ولا مجال لتدخلات الفساد.. كانت المشاريع التنموية التي أطلقها المكتب السياسي شاهدًا حيًا على قدرة المقاومة الوطنية على العطاء في الوقت الذي كان فيه اليمن يعاني من انهيار البنية التحتية وتدهور الخدمات.
إن الإنجازات التي تحققت خلال السنوات الأربع الماضية، سواء في المجال الصحي من خلال مستشفيات «2 ديسمبر» و«السعودي الميداني»، أو في البنية التحتية من خلال مشاريع الطرق الكبرى مثل «كسر الحصار عن تعز»، كانت بمثابة شعلة أمل في ظلام الحرب.. كانت هذه المشاريع تتعدى كونها إنجازات مادية، بل كانت رسالة للناس مفادها أن الدولة لا تموت، وأن هناك من يسعى لإعادة بناء ما دمرته الحرب.
لكن الإنجاز الأكبر للمكتب السياسي كان في كسر القاعدة التقليدية للسياسة في زمن الحرب.. لم تقتصر مهامه على تقديم الدعم المادي فقط، بل عمد إلى تعزيز مفهوم الدولة في الذاكرة اليمنية، حيث كانت مؤسسات الدولة هي التي تعنى بالقضايا المدنية، وكان كل ضابط أو جندي يملك قضية شخصية أمامه خيارات واضحة ضمن الإطار القانوني، وليس في أروقة القيادات العسكرية أو القبلية.
كلمات طارق صالح في أكثر من مناسبة كانت تعكس هذا التوجه الواضح: (من أراد أن يحكم الناس عليه أن يكون خادمًا لهم، لا سيدًا عليهم).. هذه الكلمات لم تكن مجرد شعارات، بل كانت القاعدة الذهبية التي اعتمد عليها المكتب في كل خطوة. فقد وضعنا في مواجهة الواقع السياسي والاجتماعي، ما بين التحديات العسكرية والإنسانية.. ومع ذلك، تمكن المكتب السياسي من تحقيق ما كان مستحيلاً في كثير من الأماكن الأخرى: أن تكون هناك حكومة غير مركزية يمكنها خدمة الناس.
ومع كل هذا النجاح، فإن أكبر تحدٍ كان ولا يزال هو الحفاظ على هذا النموذج في الوقت الذي كان فيه البعض يسعى لفرض نفوذه بالقوة أو عبر شبكات الفساد، كان المكتب السياسي يثبت أن القانون هو الحاكم في المناطق المحررة، لا القوة العمياء.. في كل قضية تتعلق بالمدنيين، كان هناك التزام بالعدالة وحقوق الإنسان، وكانت الأولويات في تلك اللحظات هي حماية حقوق المواطن، بدءًا من معاقبة الجناة وصولًا إلى ضمان الحصول على محاكمة عادلة.
إن الذكرى الرابعة ليست مجرد مناسبة للاحتفال، بل هي دعوة للاستمرار في المسير نحو بناء المستقبل.. مستقبل يتسع للجميع، حيث يتلاقى العمل السياسي مع التنموي، وتنتصر فيه الإرادة الوطنية على الأجندات الخارجية.
اليوم ونحن في عام 2025، ندرك تمامًا أن ما تحقق هو البداية فقط.. ما تم إنجازه في الساحة العسكرية والسياسية والإغاثية يجب أن يُبنى عليه لتطوير سياسات حكومية حقيقية تعكس تطلعات الشعب اليمني.
المقاومة الوطنية، التي تأسست كقوة تحرير تهدف إلى استعادة الدولة ومدينة صنعاء العاصمة المختطفة من قبضة مليشيات الحوثي الإرهابية التابعة لإيران، أصبحت اليوم حركة وطنية تسعى لبناء دولة تحترم الإنسان وتضمن له حقوقه الأساسية.. ومع دخول المكتب السياسي عامه الرابع، تبقى رسالته ثابتة: العمل من أجل شعب عانى بما فيه الكفاية، ولا يجب أن يُترك في عزلة.
من الساحل الغربي إلى كل شبر من الوطن، تبقى المقاومة الوطنية ومكتبها السياسي مشروعًا قائمًا على الحقيقة، والإرادة، والرؤية الثاقبة لتحرير وبناء اليمن.