بجهود الجميع تُحارَب الأوبئة

د. عارف محمد الحوشبي

في الآونة الأخيرة، شهدت عدة محافظات يمنية وعلى رأسها العاصمة عدن ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الإصابة بأمراض وبائية مثل الكوليرا، والملاريا، وحمى الضنك. هذا التصاعد يعيد إلى الواجهة تساؤلات ملحّة: ما أسباب هذا الانتشار المتزايد؟ والأهم، من هي الجهات التي تتحمّل مسؤولية اسباب الانتشار والحد من تبعاته؟

إن ما يجهله أو يتجاهله البعض أن الأوبئة لا تُهزم بجهد وزارة واحدة، ولا من خلال خطة صحية منفردة مهما بلغت إمكانيات الوزارة وقدراتها ما دامت الأسباب والجذور الحقيقية للمشكلة ترتبط بعدد من الجهات الأخرى خارج الوزارة والتي يجب أن تضطلع بدورها كاملاً، لضمان معالجة الأسباب وليس فقط التبعات. وكما ندرك جميعاً إن التصدي للأوبئة مسؤولية جماعية.. تبدأ من القمة وصولاً الى المجتمع حيث يتطلب ذلك تضافراً فعليًا وتنسيقاً مستمرا بين جهات وقطاعات رسمية ومجتمعية متعددة. تبدأ هذه المسؤولية من صانعي القرار في قيادة الدولة والحكومة عبر تمكين النظام الصحي وتوفير الحد الأدنى من الدعم اللازم لقيامه بدوره، مرورًا بالوزارات المعنية مثل الصحة، والزراعة، والمياه، والإعلام، والكهرباء، والمالية، والتربية والتعليم والسلطات المحلية في المحافظات، وانتهاءً بالمواطن نفسه، الذي يُعد شريكاً مباشرا في الوقاية من الأوبئة، أو للأسف سببًا في انتشارها نتيجة ممارسات غير صحية.

من المؤسف أن جذور تفشي الأوبئة تتجاوز نطاق وزارة الصحة. على سبيل المثال، الانقطاع المتكرر للكهرباء، خاصة في فصل الصيف، يدفع كثيرين للنوم في باحات المنازل أو فتح النوافذ ليلًا، ما يزيد تعرضهم للدغات البعوض الناقل للحميات، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة التي تسهم في تكاثره. كذلك فإن قضاء ساعات طويلة خارج المنازل وارتداء ملابس خفيفة، كلها عوامل تسهّل انتقال العدوى.

هناك خدمات حيوية وأدوار حاسمة لجهات خدمية كصندوق النظافة والتحسين والمؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي لها دور أساسي في منع تراكم القمامة ومعالجة طفح المجاري، وهما بيئتان مثاليتان لتكاثر مسببات الكوليرا. أما الجهات المعنية بالمياه، فدورها هام جدا في توفير مياه شرب نقية، وكلورة وتُعقَّيم المياة بشكل مستمر، لا سيما في المناطق الموبوءة،  كذلك وزارة الزراعة أيضا تضطلع بمهمة حيوية، عبر مراقبة سلامة المنتجات الزراعية وضمان عدم ريّها بمياه ملوثة. في حين يقوم الإعلام بدور لا يقل أهمية، إذ يُعد أداة فاعلة لتغيير السلوكيات الخاطئة وتحفيز المجتمع على الوقاية. أما المنظمات الدولية والمحلية، فهي شريك رئيسي في دعم جهود الدولة من خلال توفير المستلزمات الصحية أو تنفيذ تدخلات ميدانية عاجلة، خصوصًا في ظل الظروف التي يمر بها نظامنا الصحي نتيجة الصراعات والحروب، والتي أضعفته وأبطأت تعافيه.

كما نعلم جميعا أن المواطن.. الحصن الأول ولهذا لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي يقع على عاتق الفرد والمجتمع. فالممارسات اليومية للسكان تسهم  بشكل مباشر أو غير مباشر في الحد من انتشار الأوبئة أو تفاقمها. على سبيل المثال، الوقاية من الملاريا وحمى الضنك تبدأ باستخدام الناموسيات، وارتداء الملابس الواقية، وتركيب شبك ضيق الفتحات على النوافذ، والتخلص من بؤر تكاثر البعوض، وتغطية خزانات المياه. أما الكوليرا، فالتعامل معها يتطلب نظافة شخصية صارمة تشمل غسل اليدين في الأوقات الحرجة، وغسل الخضروات والفواكه قبل تناولها، وتغطية الطعام، وتجنّب شرب المياه الملوثة أو استخدامها في إعداد الطعام. إن تبنّي المجتمع لسلوكيات صحية سليمة هو خط الدفاع الأول ضد الأوبئة، يبدأ من داخل المنزل وينعكس على المجتمع كله.

مكافحة الأوبئة يست معركة وزارة لوحدها بل مسؤولية وطن وحيمنا نقول ذلك لا نقوله دفاعاً عن وزارة الصحة، ولا تهرّبا من مسؤولياتها، بل لأن هذه هي الحقيقة التي ينبغي إدراكها لمعالجة جذور المشكلات الصحية والقضاء على الأوبئة بشكل فعلي. فحتى لو أدّت الوزارة دورها ضمن حدود إمكانياتها المحدودة والشحيحة فإن النجاح في مكافحة الأوبئة حتى في أكثر الدول تطوراً لا يكون إلا بجهود جماعية، لأن مكافحة الأوبئة ليست مجرد معركة طبية، بل تحدٍّ إداري، وخدمي، ومجتمعي متكامل ولن ننجح ما لم نؤمن قولاً وفعلاً بأن كل جهة ذات علاقة بالنظام الصحي داخل الوزارة أو خارجها تمتلك جزءا من الحل، وكل تقاعس من أي طرف هو ثغرة يمرّ منها المرض ويهدد الجميع. وإذا لم يؤدِّ كل طرف دوره، فلن تُجدي أي تدخلات صحية مهما كانت فاعليتها.

اخي المواطن اختي المواطنة..

الوقاية تبدأ منك... فكن جزءًا من الحل، لا من المشكلة.

معًا، وبجهود الجميع نستطيع حماية مجتمعاتنا.

- مدير عام المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني - عدن