استهداف أبناء محافظة إب، أحفاد الشهيد القائد علي عبدالمغني، ليس سلوكًا عارضًا أو حالة قمع منفردة، إنه امتداد صريح لحقد سلالي متجذر، ضد المحافظة التي خرجت منها شرارة الجمهورية، ومن رحمها وُلد صوت عبدالمغني الذي هتف في وجه الكهنوت: "لن تعود الإمامة إلا على جثثنا"!
ما تفعله المليشيا الحوثية في إب، اليوم، ليس عبثًا عشوائيًا، بل هو انتقام تاريخي ممن يمثلون جوهر الفكرة الجمهورية وروح سبتمبر التحررية.
يدرك الكهنوتيون جيدًا أن عبدالمغني لم يكن مجرد شخص، بل رمز لفكرة تتجدد، ولذلك تُستهدف إب، وتُهان رموزها، وتُداس كراماتها، في محاولة خاسرة لإطفاء تلك الشعلة.. لكنهم لا يعلمون أن فكرة عبدالمغني لا تُدفن، وأن إب - برغم الصمت القاتل- لا تزال حبلى بثوار جدد، وأن كل موجة قمع تولّد موجة وعي أشد عنادًا.
من هنا، حين تُطلق النار داخل ساحة جامعة إب، ويُقتل شاب من أجل صورة بجانب وكيل مليشياوي، فلا شيء يبدو غريبًا؛ لأن ما يحدث هناك، في كل حي وقرية ومديرية، من ملاحقات واعتقالات واختطافات، ليس سوى تتويج لتلك الرغبة السلالية القديمة في إذلال من تجرأوا على كسر السلسلة قبل أكثر من نصف قرن.
الفعالية الطائفية التي تحولت إلى مسرح دموي قبل أيام، لم تكن حدثًا معزولًا، بل صورة مكثفة لما آلت إليه الجامعة، بل المحافظة كلها، المكان الذي يُفترض أن يكون حرمًا علميًا، صار حلبة للاستعراضات الطائفية، والاستقطاب، وغسل الأدمغة.. الطلاب يُجبرون على الحضور، والمدرسون يُرغمون على تأدية "الصرخة الإيرانية"، والرفض ليس خيارًا، بل تعده المليشيا جريمة.
أما القمع، فقد تجاوز فكرة السيطرة، ليصبح أسلوب حياة يومي، الاعتقالات لا تتوقف، والمداهمات باتت مشهدًا مألوفًا في معظم المديريات، والعشرات من الكفاءات العلمية والتربوية غُيّبت في السجون، لا لذنب ارتكبوه، بل لمجرد الشك في نواياهم، أو لوشاية كيدية كتبها مخبر يعمل لصالح المليشيا.
هذه الحملات لا تُدار بعشوائية كما قد يظن البعض، بل مدروسة بعناية؛ يتم تحليل البنية الاجتماعية للمحافظة، فرز الشخصيات المؤثرة، رصد توجهاتها، ثم استهدافها على دفعات، تحت مظلة (الأمن والمخابرات الحوثية) الذي تحول إلى كابوس حقيقي داخل المحافظة.
ما يزيد الكارثة عمقًا أن كل ذلك يحدث في ظل صمت مريب؛ لا الإعلام يُسلط الضوء كما يستحق، ولا المنظمات ترفع الصوت، وكأن إب مدينة خارج سياق الجغرافيا الوطنية والإنسانية.. هناك حالة خوف مهيمنة، بل تواطؤ ضمني لدى بعض الأوساط التي تفضل الصمت أو المجاملة على حساب كرامة الناس ومستقبل الأجيال.
إب اليوم ليست مجرد محافظة تحت سيطرة المليشيا، بل ساحة مغلقة، تُنفذ فيها أكبر عملية مسخ وتطويع وطمس لهوية مجتمع بأكمله.. إنها تعيش حالة استنزاف بطيء، ليس فقط لمواردها وأموالها وأراضيها، بل لأرواح أهلها وكراماتهم، وذاكرتهم الجمعية التي طالما ارتبطت بالعلم والكرامة والنظام الجمهوري.
والسؤال البدهي: إلى متى ستظل إب تحت هذا الخنق الممنهج دون أن ينتبه أحد؟! إلى متى سيُسمح لهذه العصابة أن تمارس طغيانها بحصانة الصمت؟! الحقيقة أن ما يجري في إب أخطر مما نتصوره؛ إنها ليست محافظة منكوبة فحسب، بل جبهة كبرى يُسحق فيها المجتمع من الداخل، تحت غطاء من البروباغندا الدينية والشعارات الزائفة.
لكن التاريخ يعلمنا أن الشعوب لا تموت.. وإب التي أنجبت عبدالمغني واحتضنت فكرة الجمهورية قبل أن تنضج في أي مكان آخر، لن تكون حقلًا دائمًا لتجارب السلالة؛ سينهض أبناؤها، ولو بعد حين، وسينبت في صميم هذا القمع صوت جديد يهتف باسم الوطن والكرامة، ويعلن أن عهد العبودية إلى أفول، وأن مشروع الحوثي الكهنوتي، القائم على ما يُسمى- الحق الإلهي- سيتم دفنه إلى الأبد، في ذات الحفرة التي سقطت فيها كل مشاريع الاستبداد عبر التاريخ.