يا أهل الحارة، يا جيران أنقذونا

الرئيسية | مقالات | 10 يوليو 2023

ماجد زايد

عند الساعة العاشرة من مساء ثالث أيام عيد الأضحى، كتب الشاب تهنئة فرائحية لشقيقه العريس بمناسبة زفافه القريب جدًا، ودعى أهله ومحبيه لحضور العرس بعد ثلاثة أيام، ثم وضع التهنئة في حالته بالواتساب وأغلق جواله، لتمر عليه ساعتين، وتحديدًا عند الثانية عشر ليلًا، عندما اشتعلت النار في غرفته المغلقة بالبيت -المحتفل قريبًا بالزفاف-، بينما أهله نائمون في غرفهم، أهله الذين أفاقوا جميعًا حينما شعروا بالنار من حولهم والدخان يحاصرهم، كانوا مفجوعين حين تقافزوا من أماكنهم وحاولوا الهروب، ولكن الدخان أعماهم وأسقطهم أرضًا، ليصبحوا أمامه عاجزين تمامًا عن النجاة.. 

شقيق الشاب، ووالدته، وشقيقاته البنات، جميعهم محاصرون في البيت، بينما الشاب يحترق في غرفته، بعدها، وعند اكتمال اليأس في أنفسهم، تمكنت الأم وإبنتها من الوصول لإحدى النوافذ المطلة للخارج، أخرجن رؤوسهم وصرخن: أنقذونا، أنقذونا، نحن نحترق، إننا نحترق، يا أهل الحارة، يا جيران أنقذوناااااااااااااااا، عندها سمعهم بعض جيرانهم في الحارة، تداعوا مسرعين، بعضهم يشاهد ويصرخ، وبعضهم يهرع لينادي الأخرين، انتشر الخبر سريعًا، كالنار وربما أسرع منها صوب البيوت المجاورة، ثم تداعى الناس لإنقاذ جيرانهم، حاولوا الدخول للبيت، ولكن النار تحاصرهم، رفعوا سلالم إلى النوافذ وكسروها ثم تمكنوا من أخراج البنات الصغار، والأخ العريس، ولم يصلوا للأم وإبنتها الكبيرة، كانتا في غرفتهما والنار تحاصرهما، حاول الناس الوصول لهما ولكنهم عجزوا، ليقفز شاب من الحاضرين نحو شقته المجاورة لنوافذ المنزل المرتفع.. فتح نوافذ منزله ووصل لنوافذ الغرفة التي تضم الأم والفتاة، كسر نوافذها، قفز بنفسه وأمسك بالأم وأخرجها نحو شقته، ثم أخرج إبنتها، وبعد أن أنقذهما سقط من أعلى ووقع على الأرض، ليسعفه الناس نحو المستشفى الذي أدخله مباشرة في العنابة المركزة. 

كل هذا والناس يطفئون الحريق ويحاولون الدخول لإنقاذ الشاب، كان الأهل يصرخون بإسم أبنهم في غرفته المحاصرة بالنار، يصرخون مع أجسادهم المنهكة من الحريق، بعدها انطلق أحد الشباب صوب أحد المطاعم القريبة سريعًا سريعًا وطلب منهم طفايات حريق. رفضوا إعطائه ما يريد، ترجاهم وترجاهم حتى صدقوه، ثم وضع هاتفه كتأمين، وأخذ منهم ثلاث طفايات حريق، ثم عاد بهن سريعًا ليساعد الناس، وفي الأثناء كان أخرون قد انطلقوا لمنزل أحد أصحاب الوايتات في الحارة، جاؤوا بوابته الكبير ووايت شقيقه الممتلئان بالماء، وبدأوا بإطفاء الحريق، بطفايات حريق وماء منهمر عبر أنبوب الوايتات، كان الجميع يتعاونون بروح عظيمة لا تتكرر، الحارة عن بكرة أبيها تطفئ الحريق، وتحاول إنقاذ الشاب، بعدها جاء بعض الجيران ببطانيات سميكة ووضعوها على أجسادهم بعد أن ببلوها بالماء، واقتحموا بهن البيت للوصول نحو غرفة الشاب المحاصر، وبالفعل وصلوا بعد سيطرتهم على الحريق، وصلوا وقد توفي الشاب.. أخرجوه على الفور بحسرة المنقذين العاجزين.. 

أخرجوه وأسعفوه، بعد أن توفي ثم حملوه إلى المستشفى، بعدها بقيوا يتفقدون أضرارهم، أحد المنقذين الشباب في العناية المركزة، يعاني من كسور في الحوض، وأخر سقط من أعلى السلالم وكسر رجله، وأخر نزفت يده المجروحة دون أن يشعر بها، ولكنهم أنقذوا الأسرة وأطفئوا الحريق بأنفسهم، أنقذوا الأم والأخ والبنات، وفشلوا في إنقاذ الشاب، رحمة الله عليه.. وسلام الله على أهل هذه الحارة، وعلى شهامتهم وبطولتهم.. 

بعد هذا كله، وبعد أن انتهى الناس من تداعيهم وإنقاذهم، وصل الإطفاء، ووصل الإسعاف، ووصل البحث والأمن والمعنيين، وصلوا جميعًا يسألون عما حدث، لازالوا حتى اليوم يسألون عما حدث!

 

* من حائط الكاتب فيسبوك