حشد نت- عدن:
في خطوة طال انتظارها، أفرجت الحكومة الأميركية، مساء الثلاثاء، عن عشرات الآلاف من الصفحات المرتبطة باغتيال الرئيس الأسبق جون كينيدي، ما يعيد تسليط الضوء على واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في التاريخ الأميركي.
ووفقًا للأرشيف الوطني، فقد تم نشر أكثر من 1,100 سجل تضمنت ما يزيد عن 31,000 صفحة. وفي تطور لاحق، أُصدر يوم الخميس دفعة ثانية رفعت العدد الإجمالي إلى 2,200 وثيقة، بإجمالي 63,000 صفحة، وهو أقل من 80,000 صفحة كان الرئيس الأسبق دونالد ترامب قد تعهد بالكشف عنها.
ماذا تكشف الوثائق الجديدة؟
منذ التسعينيات، أُفرج عن معظم السجلات المرتبطة باغتيال كينيدي، حيث تم رفع السرية عن نحو 6 ملايين صفحة. ومع ذلك، لا تزال بعض الوثائق الأكثر حساسية غير متاحة.
وبحسب تحليل صحيفة واشنطن بوست، فإن الوثائق التي تم الإفراج عنها ليست جديدة بالكامل، لكنها إصدارات غير منقحة من ملفات سابقة، مما يمنح الباحثين والمؤرخين فرصة أعمق لفهم الأحداث التي سبقت حادثة الاغتيال.
CIA ومراقبة أوزوالد قبل الاغتيال
أحد أبرز ما كشفت عنه الوثائق هو تقارير تتعلق بمتابعة وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) لتحركات القاتل، لي هارفي أوزوالد، قبل تنفيذ جريمته. وتشير التقارير إلى أن أوزوالد زار السفارة السوفيتية والقنصلية الكوبية في مكسيكو سيتي قبل أسابيع من الاغتيال، مما أثار تساؤلات حول دوافعه وعلاقاته المحتملة.
وفي هذا السياق، قال المؤرخ والصحفي فيليب شينون، مؤلف كتاب "عمل قاسٍ وصادم: التاريخ السري لاغتيال كينيدي": "رغم أهمية الوثائق، إلا أنه لم يظهر حتى الآن أي دليل يغير الرواية الأساسية لما حدث ذلك اليوم."
أما تيموثي نفتالي، الأستاذ في جامعة كولومبيا، فاعتبر أن هذه الوثائق تساهم في تقديم رؤية أوضح عن طبيعة عمل المخابرات الأميركية خلال تلك الفترة، بما في ذلك سياساتها تجاه دول مثل كمبوديا، إندونيسيا، ومصر.
التجسس الأميركي
تضمنت الوثائق كشفًا عن أساليب التجسس التي استخدمتها وكالة CIA خلال الحرب الباردة. على سبيل المثال، أشارت مذكرة كتبها المؤرخ آرثر شليزنجر جونيور عام 1961 إلى الرئيس كينيدي إلى أن أكثر من 1,500 موظف في الوكالة كانوا يعملون تحت غطاء دبلوماسي ضمن وزارة الخارجية.
كما أظهرت إحدى الوثائق أن 128 عميلاً من CIA كانوا يعملون في السفارة الأميركية في باريس، وكان مقر الاستخبارات يحتل الطابق العلوي من السفارة، في أمر كان معروفًا محليًا آنذاك.
علاقات غامضة
إحدى الوثائق غير المنقحة، وهي تقرير سري من عام 1991، تكشف عن تقييم للاستخبارات السوفيتية (KGB) بشأن أوزوالد.
ووفقًا لما قاله المسؤول السوفيتي فياتشيسلاف نكونوف، الذي راجع خمسة مجلدات من ملفات أوزوالد في موسكو، فإن القاتل لم يكن عميلًا للمخابرات السوفيتية، بل كان "شخصًا غير متزن، لا يمكن السيطرة عليه."
كما كشفت الوثائق أن مانويل ماتشادو لوساس، أحد المقربين من الرئيس الكوبي الأسبق فيدل كاسترو، كان في الواقع عميلًا لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
جدل حول الإفراج عن الوثائق
إلى جانب ما كشفته الوثائق، أثار قرار الإفراج عنها جدلًا واسعًا. فقد انتقد جاك شلوسبرغ، حفيد الرئيس الراحل، إدارة ترامب، متهمًا إياها بـ"استغلال التاريخ" لأغراض سياسية.
في المقابل، اعتبر روبرت كينيدي جونيور، ابن شقيق كينيدي، أن الكشف عن الوثائق "كسر عقودًا من التعتيم الرسمي."
لكن قرار النشر لم يكن خاليًا من الأخطاء، إذ واجهت الحكومة انتقادات بسبب تسريب أرقام الضمان الاجتماعي لبعض الأفراد المذكورين في الوثائق، مما قد يعرضهم لخطر الاحتيال أو المضايقات.
ووصف المحامي مارك زيد هذه الخطوة بأنها "غير مسؤولة تمامًا، ولم يكن لها أي فائدة سوى تعريض أشخاص للخطر."
رغم ضخامة كمية الوثائق التي تم الإفراج عنها، لا تزال هناك أجزاء مفقودة من اللغز، ويبقى السؤال الأهم: هل تحمل هذه الملفات مفاجآت تغير الرواية الرسمية، أم أنها مجرد إعادة تأكيد لما هو معروف منذ عقود؟