حشد نت - إب
مضت أكثر من ثلاثة أشهر منذ انطلقت سلسلة واسعة من الاختطافات التي نفذتها مليشيا الحوثي في محافظة إب، وسط اليمن، لتشمل مختلف المديريات والمناطق، ممتدة إلى محافظات مجاورة في حملات ممنهجة لا تزال مستمرة حتى اليوم.
وقد استهدفت هذه الحملة نخبة المجتمع من دعاة ومشايخ دين، وحفاظ قرآن، وأساتذة جامعات، ومهندسين، ومحامين، ومعلمين، وإداريين، ومصرفيين، دون أن تقدم المليشيا أي مبرر قانوني أو قضائي للاحتجاز، فيما فشلت كافة الجهود المحلية والمجتمعية للإفراج عن المختطفين أو معرفة أوضاعهم الصحية ومكان احتجازهم، ما دفع بعض الأهالي لإطلاق حملة إعلامية واسعة للضغط على المليشيا وتحصيل حقوق ذويهم.
كشف الأهالي في بيان لهم عن وجود أكثر من 90 مختطفاً، جلهم من كوادر المحافظة الجامعية والتربوية والإدارية والصحية والدينية والثقافية، بينما تؤكد مصادر حقوقية أن العدد الفعلي أعلى نتيجة تحفظ بعض الأسر عن الكشف عن ذويهم في أمل الإفراج عنهم. وأوضح البيان أن ما جرى يعد "جرائم اختطافات ممنهجة تُمارس بعيداً عن أي إجراء قانوني أو قضائي ومخالفة لكل الشرائع والأديان".
بدأت الحملة الحوثية قبيل عيد الأضحى الماضي في مديرية ذي السفال، ثم توسعت إلى السياني والعدين والحزم وحبيش والسبرة والمناطق الحضرية في مدينة إب، بما في ذلك المشنة والظهار، وصولاً إلى مديريات ريف إب وجبلة وبعدان والنادرة والشعر والرضمة ومذيخرة. ومع كل تهدئة مؤقتة، عادت الحملة بشكل أوسع، ترافقها اقتحامات للمنازل ودور التحفيظ ومصادرة المقتنيات الشخصية. وأكدت مصادر حقوقية أن الحملة اتخذت طابعاً إرهابياً، إذ كانت المليشيا تقصف المنازل وتفجر بعضها وتهدد الأسر بالسلاح، بينما تتحفظ الأسر عن الإفصاح خشية على سلامة أبنائها.
وصف رئيس منظمة رصد للحقوق والحريات، عرفات حمران، هذه الاختطافات بأنها تهدف إلى استهداف نخبة المجتمع وعرقلة تأثيرهم الاجتماعي والفكري، مشيراً إلى أن المليشيا اختطفت خلال 100 يوم أكثر من 100 من الأطباء والأساتذة والمهندسين والمعلمين، وما زالوا مخفيين دون تهمة، في حين أفرجت سابقاً عن سجناء محكوم عليهم بالإعدام، في تناقض واضح يعكس سياسة الانتقائية والقمع.
من بين المختطفين المهندس حمود محمد الشهاري من البنك المركزي في إب، والذي يوصف بأنه "عقل مصرفي عبقري" واختطف بسبب سمعته الطيبة وخدمته للمجتمع، رغم كونه بعيداً عن أي نشاط سياسي. وأكدت أسرته أن اختطافه ترك فراغاً عاطفياً ومادياً داخل العائلة، متسائلين عن السبب وراء حرمان شخص طيب من حريته دون ذنب.
تعيش الأسر حالة من القلق المتزايد بسبب رفض المليشيا الكشف عن أسباب الاختطاف، فيما تقدم ذرائع متناقضة تتراوح بين "تحقيق مؤقت" و"دورات ثقافية" زائفة لتبرير احتجاز المختطفين، في حين أن أغلبهم يعملون في التدريس والإدارة لخدمة المجتمع دون أي نشاط سياسي أو أيديولوجي. وأكد وجهاء محليون أن هؤلاء المختطفين معروفون بسلوكياتهم الحسنة وإسهاماتهم المجتمعية، وأن سبب استهدافهم يعود إلى زرع المليشيا لجواسيس ومحاولة بعض المحليين لكسب رضا الحوثيين عبر الإيقاع بأفراد مجتمعهم.
كما فشلت محاولات المليشيا إلصاق تهم زائفة بالمختطفين، مثل "تشكيل خلايا لإسقاط المحافظة" أو كونهم "خلايا نائمة تابعة لإسرائيل"، فيما المجتمع المحلي يؤكد براءتهم ووقوفهم مع القضايا الإنسانية والسياسية، وخصوصاً دعم القضية الفلسطينية. وقال الكاتب أحمد نعمان اليفرسي إن التهمة مجرد ذريعة لتنكيل الشرفاء وطمس قيم النزاهة، بينما أشار الصحفي محمد أبو رأس إلى أن الحملة الحوثية تحولت من ممارسة أمنية إلى هستيريا سياسية تعكس حالة هلع داخلي لدى قيادات الكهنوت، خوفاً من تحرك مفاجئ للمقاومة الشعبية أو الجيش الوطني.
وفي السياق التعليمي، أكد أولياء الأمور أن الحملة أثرت سلباً على العملية التعليمية، حيث اضطر عدد من المعلمين للتوقف عن التدريس خشية تصنيفهم سياسياً أو التعرض للاختطاف، رغم استمرارهم في خدمة الأجيال ضمن ظروف اقتصادية صعبة. وبينما تبقى أصوات المختطفين وحكاياتهم مخفية، تستمر الأسر في التمسك بحقها ومطالبتها بالإفراج عن ذويها، معتبرة أن هؤلاء المدنيين يعملون من أجل المجتمع وخدمة المواطنين، بعيداً عن أي نشاط سياسي.
وأوردت التقارير أسماء 68 من المختطفين، بينهم أكاديميون ومعلمون ومهندسون ومحامون وموظفون، جميعهم اختطفوا خلال الأشهر الأخيرة في مديريات مختلفة بمحافظة إب، وما زالوا مختفين قسرياً دون أي تهمة أو سبب قانوني.