في الثاني من ديسمبر 2017م، تلقيت اتصالًا من قناة سكاي نيوز عربية، كان الحوار يدور حول الانتفاضة الكبرى التي تعيشها الحبيبة صنعاء، والمحافظات المحتلة، وعن خطاب الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح.
كان حديثًا ممتلئًا بالفخر، لا أظن أني تحمست في مداخلة كما تحمست في تلك اللحظة، التي ارتفعت فيها مشاعر الانتصار والزهو والرضا؛ فها هو الزعيم يعود ليشكل رأس الحربة في مواجهة حاسمة مع الكهنوت، وها هي الأخبار تتوالى عن اندحار الهمج من شوارع صنعاء وكل المحويت وإب والمحافظات المحتلة، وظهرت الجماعة العنصرية كما توقعتها دائمًا، كذبة كبيرة وفقاعة هشة.
لم نتوقف عن متابعة الأخبار، والاستماع مرة بعد مرة لوصايا الشهيد العشر، وكأنها ترسم خارطة طريق للانتصار، وعودة للروح اليمنية المشتتة، وعلى مدار الساعة والدقيقة، كانت أنظارنا لا تفارق أخبار اليمن اليوم، ولا ينقطع تواصلنا مع زملائنا في القناة حتى الساعات المتأخرة من الليلة التالية، وحتى آخر رسالة مع الزميل بندر الروقي، يخبرني فيها باقتحام همج الحوثي لمبنى القناة، وتوقف البث.
كان لإسكات إعلام المؤتمر واستهدافه من قِبل مليشيا الحوثي الإرهابية، تأثير سيئ على معنويات الناس، وشكّل لدي قلقًا متناميًا عما آلت إليه الأحداث، ولم تفارقني فكرة الانتقام الحوثي من الشهيد، الذي بكلمات منه انهارت الأرض تحت أقدامهم، وظهرت الجماعة على حقيقتها وضعفها.
كانت ليلةً صعبةً وانتظارًا قاتلًا، ونحن نحاول أن نتبين الحقائق بين كمية الإشاعات والتسريبات، عيوننا على الثبات الأسطوري للشهيد ورفاقه، وقلوبنا تتوثب لسماع خطاب النصر، وعندما جاءت الأخبار المزلزلة أنكرتها شخصيًا، لم أستطع أن أصدق أن الأمل يمكن أن يتلاشى في لحظة.
ذلك الشعور أجزم أنه كان سائدًا لدى الجميع، ممن وافق الزعيم أو خالفه، ولم يكن الأمر متعلقًا بشخصه فقط؛ بل بما كان يمثله من ثقل وطني وتأثير شعبي وصدق في المواجهة، وشجاعة محارب، أدرك الجميع أن موقفه سيشكّل تحولًا في مسار المعركة مع بقايا الإمامة وأذيال إيران.
وهو ما كان؛ ليتحول ذلك الخطاب إلى موجِّهات أنتجت إضافة فارقة إلى جهد اليمنيين في مواجهة عملاء إيران، تمثلت في ولادة حراس الجمهورية والمقاومة الوطنية وقائد شكّل- في وقت قياسي- رقمًا مؤثرًا في معادلة المعركة الكبرى لاستعادة صنعاء.
وأخيرًا: أولئك الذين اختلفوا مع الزعيم قبل الكارثة الحوثية، أو بعد اجتياح صنعاء، لم يختلفوا معه إلا في إطار الفعل السياسي، لكنهم يُجمِعون على وطنية الشهيد، واعتزازه باليمن، وقدرته على احتواء الجميع واحترامهم، وهو- في لحظة استشهاده- قدّم آخر الدروس للجميع، في معنى الموت من أجل الوطن، والتضحية بالروح في سبيل الكرامة.