مع دخول إعلان وقف إطلاق النار بين الجانبين الإسرائيلي واللبناني حيز التنفيذ صباح الأربعاء- يمكن القول أن الحرب الإسرائيلية على لبنان قد وضعت بعض اوزارها أو هكذا يمكن قراءة مشهد عودة الآلاف من النازحين في جنوب لبنان وشمال إسرائيل على حد سواء - ومعها تعود الكثير من التساؤلات العالقة تحت أنقاض هذه الحرب الخاطفة حول إمكانية صمود هذا الإتفاق لفترة أطول في ظل خطاب التصعيد الإعلامي المتشنج من جانب وحول طبيعة التنازلات والضمانات التي ترتب عليها الوصول إلى هذا الإتفاق من جانب آخر.
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفخاي اذرعي كان قد ظهر صباح اليوم بمقطع مصور على الحدود الإسرائيلية اللبنانية حاول خلاله الإجابة على هذه التساؤلات على طريقته الخاصة التي لا تخلو من التهكم وهو إذ يتحدث عما تحقق لحزب الله في هذه الحرب في صورة مؤشرات حقيقية لا تختلف كثيرا عن تقييم كثيرا من وسائل الإعلام العربية لهذه الحرب بالنسبة للشعب اللبناني، حيث تشير الإحصاءات الأولية إلى وجود خسائر كبيرة كان قد تكبدها الإقتصاد اللبناني منذ بداية الحرب قبل شهرين تصل مجموعها إلى ٢٠ مليار دولار وفقدان ما يزيد عن ٥٠٠ الف موظف لوظائفهم وتدمير ما لا يقل عن ١٠٠ ألف وحدة سكنية ترتب عليها تهجير ونزوح ما لا يقل عن ١،٤ مليون لبناني من منطقتي الجنوب والضاحية، بالإضافة إلى تدمير كلي لعدد ٣٨ قرية سكنية في عموم الجنوب اللبناني. وهذه المؤشرات فقط هي على صعيد خسائر الشعب اللبناني فقط - ناهيك عن مجموع الخسائر البشرية والمادية والمعنوية في صفوف حزب الله، إن لم يكن أهمها تصفية واغتيال كافة قيادات الصف الأول والثاني داخل الحزب وتدمير أكثر من ٧٠ % من قدراته العسكرية.
هذه المؤشرات ليست سوى شارة البدء للحديث عن طبيعة الموقف الذي سيكون عليه حزب الله في المرحلة القادمة إذا ما اعتبرنا أن هذه المؤشرات لا تعني سوى تحييد تأثير نشاط حزب الله في المشهد السياسي اللبناني القادم، لا سيما في ظل الحديث عن وجود توافق دولي واقليمي ولبناني على أن تكون أرضية الحل للمشكلة اللبنانية مع إسرائيل هي العودة إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم ١٧٠١ من العام ٢٠٠٦ والذي سيتجرد حزب الله بموجب الكثير من بنوده من حضوره السابق في المشهد اللبناني - خصوصا وإذا ما كان يعني ذلك التزامه بتسليم ما تبقى من ترسانة أسلحته للحكومة اللبنانية والجيش اللبناني الذي سيتولى وحده تحمل مسؤولية دفاعه عن العقيدة العسكرية اللبنانية خلال المرحلة القادمة بالإضافة إلى انسحاب عناصر قوات حزب الله إلى ما وراء الليطاني وليس أمامه فقط سوى ان يفعل حضوره الشعبي في لبنان من خلال انخراطه في عمل سياسي يلتزم بموجبه بأحكام ولوائح العمل السياسي التي تسقط عليه ما تسقط على غيره.
صحيح أنه لا يمكن حالياً التكهن بشأن طبيعة تفاصيل الإتفاق الذي ترتب عليه الوصول إلى وقف لإطلاق النار بين الجانبين الإسرائيلي واللبناني- لكن محدداته لن تخلو من استغلال الفراغ السياسي والقيادي والعسكري الذي يمر به حزب الله لا سيما بعد مقتل الكثير جداً من قياداته والذين كان من الصعب وصول القيادة اللبنانية إلى اتفاق مع المجتمع الدولي وإسرائيل في ظل وجودهم أدوات تعطيل، لطالما اكتوى النظام السياسي اللبناني والشعب اللبناني أيضاً من هذا التعطيل الذي تجاوز حد تعطيل المؤسسات السيادية اللبنانية وتجيير القرار اللبناني برمته لصالح حزب الله والذي هو في الأساس مجرد وكيل حصري للمشروع الإيراني في لبنان والمتطقة العربية.
هذا الإتفاق من وجهة نظري القاصرة بكواليس العمل السياسي الدولي- أراه فرصة حقيقية بالنسبة للبنان وشعبه في البدء بعملية اصطفاف وطني جديد لا يستثني أحد ولبنة أولى في طريق بناء نظام سياسي فريد في هذا البلد الذي لطالما كان منارة سياسية نهتدي بها في عالمنا العربي لا سيما في ظل الحالة الرخوة التي يمر بها حزب الله في مرحلة لم يكن من السهل فيما مضى ترويضه وتطويعه لخدمة مستقبل أبناء البلد - خصوصاً بعد سلسلة من التعطيل الذي احدثه حزب الله داخل لبنان على المستوى القيادي والشعبي بسبب تغول النفوذ الإيراني في أجندة هذه الحركة الموالية لمشروع ولاية الفقيه.