يرتبط أمن الجزيرة والخليج العربي ارتباطًا مباشرًا بإنهاء النفوذ الإيراني عبر ذراعه الحوثية في اليمن، وأي تأجيل في حسم هذه المواجهة يتحول مع مرور الوقت إلى خطأ تتسع كلفته السياسية والأمنية.
وفي هذا الإطار، برزت التطورات في المحافظات الشرقية مؤخراً، حضرموت والمهرة، بوصفها نتيجة طبيعية لإطالة أمد معركة الحسم شمالًا واستعادة صنعاء، ضمن سياق يتداخل فيه التسويف مع انزياح مقصود عن المسار المركزي والحاسم لمعركة اليمنيين.
هذا الواقع يفرض تساؤلًا مشروعًا حول الطرف المستفيد من تحويل اتجاه المعركة بعيدًا عن وجهتها الأساسية، والدفع بها نحو مسارات جانبية تدار داخل مناطق محررة وبعيدة عن نطاق سيطرة الحوثي، بما لا يخدم هدف التحرير، بل يعمق الأزمة ويعيد إنتاجها بأشكال أكثر تعقيدًا.
تنطلق هذه القراءة من مسلمة أساسية مفادها أن أي كيان يفتقر إلى القوة الفاعلة، عسكريًا وشعبيًا وتنظيميًا، لا يملك القدرة على قيادة معركة تحرير حقيقية.. ووفق هذا المنطق، فإن نقل الاهتمام إلى ساحات ثانوية يعكس عجزًا متراكمًا عن خوض المواجهة الحاسمة شمالًا، ومحاولة للهروب من استحقاق الصدام المباشر مع مركز الثقل الحوثي.
وفي هذا السياق، تتكشف ممارسات الاستهداف المنظم للقوى المناهضة للحوثيين كأداة تفكيك خطيرة، يجري من خلالها إفراغ الصراع من مضمونه الوطني، وتحويله من مواجهة مشروع سلالي طائفي إلى صراعات هوياتية ضيقة..
ويتزامن ذلك مع تصعيد مفتعل للصراعات الجانبية إعلاميًا وميدانيًا، حيث يصار إلى تعويض الإخفاق في تحقيق تقدم حقيقي عبر تضخيم وقائع محدودة وتقديمها بوصفها إنجازات، في مقابل تجاهل التعثر في المعركة المصيرية. ويجري بذلك توجيه الرأي العام بعيدًا عن الأسئلة الجوهرية المرتبطة بمصير صنعاء والشمال..!
هذا المسار يقود إلى نتائج واضحة لا تحتمل التأويل. الحوثي، باعتباره مشروعًا سلاليًا طائفيًا مدعومًا من إيران، يظل الخصم المركزي، وأي التفاف على هذه الحقيقة أو محاولة لتخفيف حدتها تصب عمليًا في خدمته، والتخادم في هذا السياق بات مكشوفًا وملموسًا.
وعليه، فإن ما يجري في المحافظات الشرقية ينبغي التعامل معه بوصفه جرس إنذار يستدعي إعادة ترتيب الأولويات داخل الصف الوطني المناهض للمليشيا، لا بوصفه بديلًا عن المعركة الأصلية.
ويظل تحقيق النصر مرهونًا بوجود قوة حقيقية وقيادة تمتلك شرعية شعبية، وقدرة عسكرية مؤثرة، ورؤية استراتيجية واضحة، مع مستوى مقبول من الاستقلال عن الضغوط الخارجية.
كما أن عامل الزمن لا يصب في مصلحة القوى المترددة، إذ إن كل تأخير في حسم المعركة شمالًا يمنح المشروع الحوثي مساحة أوسع لترسيخ نفوذه وإحداث تغييرات سياسية وديموغرافية يصعب تفكيكها لاحقًا.
إن الطريق إلى صنعاء يمر عبر استعادة وضوح الرؤية الوطنية، وتوحيد البوصلة الاستراتيجية ، وتركيز الجهد والموارد على الجبهة الشمالية، ووقف صناعة الصراعات الجانبية في الميدان والإعلام.
الصراع مع المشروع السلالي الطائفي صراع وجود، لا يقبل المراوغة ولا يحتمل أنصاف المواقف، ولا يمكن حسمه إلا بإرادة صلبة تعيد المعركة إلى مسارها الصحيح، من دوامة الإطالة والانحراف إلى مستوى الحسم والتحرير.